[69]

كذَّب صادقًا لا يجوز عليه الكذب، فإذا ليس أحد أظلم ممن يكذب على الله بالشرك، ويكذب الله في تصديقه نبيه - صلى الله عليه وسلم - ويكذب النبي في رسالة ربه، ويكذب القرآن المنزل من الله تعالى إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -

ثم بين سوء مغبة أعمالهم بطريق الاستفام التقريري، وهو أبلغ في إثبات المطلوب، وهددهم وتوعدهم، فقال: {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى} ومنزل ومأوى {لِلْكَافِرِينَ}؛ أي: مكان يستقرون فيه؛ أي: ألا يستوجب هؤلاء الكافرون من أهل مكة الثواء والإقامة في جهنم، فقد افتروا على الله الكذب، فكذبوا بالكتاب أو الرسول لما جاءهم بلا توقف ولا تأمل.

والخلاصة: أن مثوى هؤلاء، وأشباههم جهنم وبئس المصير، فهو (?) تقرير لثواثهم وإقامتهم فيها، فإن همزة الاستفهام الإنكاري إذا دخلت على النفي صار إيجابًا؛ أي: ألا يستوجبون الإقامة والخلود في جهنم، وقد فعلوا ما فعلوا من الافتراء والتكذيب بالحق الصريح مثل هذا التكذيب الشنيع، أو إنكار واستبعاد لاجترائهم على الافتراء والتكذيب؛ أي: ألم يعلموا أن في جهنم مثوًى للكافرين، حتى اجترؤوا هذه الجرأة، وقوله (?): {لِلْكَافِرِينَ} من وضع الظاهر موضع المضمر؛ أي: مثواهم.

69 - وبعد أن بين عاقبة أولئك الكافرين، ذكر عاقبة المؤمنين الذين اهتدوا بهُدى الله، وجاهدوا في سبيله، فقال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا}؛ أي (?): والذين جدوا واجتهدوا في طاعتنا، وبذلوا وسعهم، وطاقتهم في شاننا وحقنا، وأخلصوا عملهم لوجهنا، والمجاهدة: استفراغ الوسع في مدافعة العدو، وأطلق المجاهدة ليعم جهاد الأعداء الظاهرة والباطنة، أما الأول فكجهاد الكفار المحاربين، وأما الثاني فكجهاد النفس والشيطان. وفي الحديث: "جاهدوا أهواءَكم كما تجاهدون أعداءَكم". ويكون الجهاد باليد واللسان. كما قال - عليه السلام -: "جاهدوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015