موسى في عاقبة أمره {عَدُوًّا} في (?) دينهم {وَحَزَنًا} لما يصنعه بهم، وقيل: عدوًا لرجالهم، وحزنًا على نسائهم، فقتل الرجال بالغرق، واستذل النساء؛ أي: التقطوه ليصير بهم الأمر إلى ذلك، إذ أراد الله ذلك، لا أنهم أخذوه له، وجعل موسى نفس الحزن إيذانًا لقوة سببيته لحزنهم، واللام هنا (?) لام العاقبة والصيرورة، لا لام العلة والإرادة؛ لأنهم لم يلتقطوه ليكون لم عدوًا وحزنًا، بل إنما أخذوه ليكون لهم ولدًا وقرة عين، ولكن لما صار عاقبة أمرهم إلى ذلك أبرز مدخولهم في معرض العلة لالتقاطهم، تشبيهًا له في الترتيب عليه بالغوض الحامل عليه، وهو المحبة والتبني.
وهذا (?): مثل ما تقول لآخر تؤنبه على فعل كان قد فعله، وهو يظن نفسه محسنًا فيه، وأدى الأمر إلى مساءة وضر قد لحقه: فعلت هذا لضر نفسك، وهو قد كان حين الفعل راجيًا نفعه، غير أن العاقبة جاءت بخلاف ما كان يرجو، وكقولهم: اشترى فلان بضاعة كذا ليخسر، مع أن الحامل له على الشراء الاسترباح، وهذا جار على سنن العرب في كلامهم، فيذكرون الحال بالمآل، قال شاعرهم:
وَللْمَنَايَا تُرَبِّيْ كُلُّ مُرْضِعَةٍ ... وَدُوْرُنَا لِخَرَابِ الدَّهْرِ نَبْنِيْهَا
وقال آخر:
فَلِلْمَوْتِ تَغْذُوْ الْوَالِدَاتُ سِخَالَهَا ... كَمَا لِخَرَابِ الدَّهْرِ تُبْنَى المَسَاكنُ
وقال آخر:
لِدُوْا لِلْمَوْتِ وَابْنُوْا لِلْخَرَابِ ... فَكُلُّكُمُ يَصِيْرُ إِلَى التُّرَابِ
فعاقبة البناء الخراب، وإن كان في الحال مفروحًا به، وعاقبة تغذية السخال الذبح، وإن كانت الآن تُغذَّى لتسمن.