وفي الحديث "إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس"؛ أي: كان تحريمها من الله سبحانه بأمر سماوي، لا من الشام باجتهاد شرعي، وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن إبراهيم حرم مكة" فمعناه: أظهر الحرمة الثابتة، أو دعا فحرمها الله تعالى حرمة دائمة.
ومعنى الآية (?): قل لقومك يا محمد: أمرت من قبل الله أن أخصه وحده بالعبادة، ولا أتخذ له شريكًا، فاعبدوه أنتم، ففيه عزكم وشرفكم، ولا تتخذوا له شريكًا، وقد ثبتت عليكم نعمتة بتحريم بلدتكم، قال بعضهم: العبادة لباس الأنبياء والأولياء.
ولما أخبر سبحانه وتعالى أنه مالك هذه البلدة. أخبر أنه يملك كل شيء فقال: {وَلَهُ}؛ أي: ولرب هذه البلدة خاصة {كُلُّ شَيْءٍ} خلقًا وملكًا وتصرفًا، دون أن يشركه في ذلك أحد؛ أي: جميع الأشياء داخلة في ربوبيته، فشرفت البلدة بذكر اندراجها تحت ربوبيته على جهة الخصوص، وعلى جهة العموم، وفيه تنبيه على أن إفراد مكة بالإضافة للتفخيم مع عموم الربوبية لجميع الموجودات.
{وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}؛ أي (?): وأمرني ربي أن أسلم وجهي له، فأكون من الموحدين المخلصين له، المنقادين لأمره، المستسلمين بطاعته بامتثال أمره، واجتناب نهيه، والمراد بقوله: {أَنْ أَكُونَ} أن أثبُتَ على ما أنا عليه.
92 - {وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ}؛ أي: وأمرت أن أداوم على تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، وأواظب على ذلك، لتنكشف لي أسراره المخزونة في تضاعيفه، واسطلع أدلة الكون المتفرقة في آيه، فأعرف حقائق الحياة، وسر الوجود، ويفاض عليَّ من فيوضاته الإلهية، وأسراره القدسية، ما شاء الله أن يُفيض.
وقد روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قام ليلة يصلي فقرأ قوله تعالى: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} فما زال يكررها، ويظهر له من أسرارها ما يظهر، ويتجلى له من مقاصدها ما