تقديره، والنفخ (?): إدخال الريح في الشيء، كما سيأتي في مبحث اللغة، والصور: هو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل - عليه السلام - للموت والحشر، فكأن أصحاب الجيوش من ذلك أخذوا البوقات لحشر الجند، وفي الحديث: "لما فرغ الله من خلق السماوات والأرض خلق الصور، فأعطاه إسرافيل، فهو واضعه على فيه شاخصٌ بصره إلى العرش متى يؤمر" قال أبو هريرة - راوي الحديث - رضي الله عنه: قلت: يا رسول الله ما الصور؟ قال: "القرن". قلت: كيف هو؟ قال: "عظيم، والذي نفسي بيده إنَّ أعظم دارة فيه كعرض السماء والأرض" فيؤمر بالنفخ فيه، فينفخ نفخة لا يبقى عندها في الحياة أحد إلا من شاء الله تعالى، وذلك قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ} وإلى قوله: {إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} ثم يؤمر بأخرى، فينفخ فيه نفخة لا يبقى معها ميت إلا بعث وقام، وذلك قوله تعالى: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى} الآية، ومعنى النفخ في القرن أن الأرواح تُجمع في القرن، ثم ينفخ فيه فتذهب إلى الأجساد فتحيا بها الأجساد، والمراد بالنفخ هاهنا هي النفخة الثانية.
أي: واذكر يا محمد لقومك أهوال يوم يُنفخ في الصور نفخة ثانية ينفخها إسرافيل لرد الأرواح إلى أجسادها، وهو يوم القيامة {فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ}؛ أي: فيفزع منها، ويخاف جميع من في السموات والأرض لشدة ما سمعوا، والتعبير بالماضي في الفزع للدلالة على تحقق وقوعه؛ لأن المستقبل من فعل الله تعالى متيفن الوقوع كتيقن الماضي من غيره؛ لأن إحياءه تعالى حق.
والمراد بالفزع هاهنا ما يعتري الكل - مؤمنًا وكافرًا - من الرعب والتهيُّب الضروريَّين الجبليَّين عند البعث والنشور، بمشاهدة الأمور الهائلة الخارقة للعادات في الأنفس والآفاق، وقيل: المراد بالفزع هنا الإسراع والإجابة إلى النداء، من قولهم: فزعتُ إليك في كذا، أسرعتُ إلى إجابتك، والأول أولى بمعنى الآية.
والنفخات في الصور ثلاث (?): الأولى نفخة الفزع، والثانية نفخة الصعق،