{أَلَمْ يَرَوْا} (?) من رؤية القلب، وهو العلم، لا من رؤية البصر؛ لأن نفس الليل والنهار وإن كانا من المبصرات لكن جعلهما كما ذكر من قبيل المعقولات، والاستفهام فيه للتوبيخ المضمن للإنكار؛ أي: ألم يعلم هؤلاء المكذبون بآياتنا {أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ} مظلمًا {لِيَسْكُنُوا فِيهِ}؛ أي: ليستريحوا فيه بالنوم والقرار، ففيه حذف مظلمًا يدل عليه قوله: {وَ} جعلنا {النَّهَارَ مُبْصِرًا}؛ أي: مضيئًا ليتحركوا فيه، وينتشروا لطلب معاشهم، ففيه حذف ليتحركوا دل عليه قوله: {لِيَسْكُنُوا} ففي الكلام احتباك كما سيأتي في مبحث البلاغة؛ أي: ألم يتفكر أهل مكة، ولم يعلموا أنا جعلنا الليل مظلمًا ليستريحوا فيه بالقرار والنوم، والنهار مضيئًا لينتشروا فيه ويطلبوا معايشهم.

{إِنَّ فِي ذَلِكَ}؛ أي: إن في جعل الليل والنهار، كما ذكر {لَآيَاتٍ}؛ أي: لدلالات ظاهوة على التوحيد والبعث والنبوة {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}؛ أي: يصدقون بها، فيعتبرون. خصوا بالذكر؛ لأنهم المنتفعون بها دون الكافرين.

وحاصل معنى الآية (?): أي ألم ير هؤلاء المكذبون بآياتنا تصريفنا الليل والنهار، ومخالفتنا بينهما بجعل ذاك سكنًا لم يسكنون فيه، ويهدؤون راحة لأبدانهم من تعب التصرف، والتقلب نهارًا، وجعل هذا مضيئًا يبصرون في الأشياء، ويعاينونها، فيتقلبون فيه لمعايشهم، فيتفكرون في ذلك، ويتدبرون، ويعلمون أن مصرِّف ذلك كذلك هو الإله الذي لا يُعجزه شيء، ولا يتعذر عليه إماتة الأحياء، وإحياء الأموات بعد الممات.

وفي ذلك أيضًا دليل على النبوة؛ لأنه كما يُقلِّب الليل والنار لمنافع المكلفين، ففي بعثة الأنبياء منافع عظيمة للناس في دنياهم ودينهم. فما المانع إذًا من بعثهم إليهم، بل الحاجة إلى ذلك أمس.

{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}؛ أي: إن فيما ذُكر لدلالة على قدرته على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015