أميًا، ولم يخالط أحدًا من العلماء للاستفادة والتعلم، فلا يكون ذلك إذًا إلا من وحي إلهي من لدن حكيم خبير.
2 - أن ما فيه من دلائل عقلية على التوحيد والبعث والنبوة والتشريع العادل المطابق لحاجة البشر في دنياهم وآخرتهم، لا يوجد له نظير في كتاب آخر، فلا بد أن يكون ذلك من عند الله تعالى.
3 - أنه قد بلغ الغاية في الفصاحة والبلاغة، حتى لم يستطع أحد أن يتصدى لمعارضته، مع حرصهم عليها أشد الحرص، فدل ذلك على أنه خارج عن قوى البشر، وأنه من الملأ الأعلى، ومن لدن خالق القوى والقدر.
ثم ذكر بعد ذلك أنه جاء حكمًا على بني إسرائيل فيما اختلفوا فيه، فأبان لهم الحق في هذا، كاختلافهم في أمر المسيح فمن قائل هو الله، ومن قائل هو ابن الله، ومن قائل إنه ثالث ثلاثة، وقوم يقولون: إنه كاذب في دعواه النبوة، كما نسبوا مريم إلى ما هي منزهة عنه، وقالوا: إن النبي المبشَّر به في التوراة هو يوشع عليه السلام، أو هو نبي آخر يأتي آخر الدهر، إلى نحو ذلك مما اختلفوا فيه، وأنه لا يحكم إلا بالعدل، فقوله الحق وقضائه الفصل.
ثم أمر رسول - صلى الله عليه وسلم - أن يتوكل عليه، فإنه حافظه، وناصره. وأن يُعرض عن اْولئك الذين لا يستمعون لدعوته؛ لأنهم صم بكم لا يعقلون، والذكرى لا تنفع إلا من له قلب يعي، وآذان تسمع دعوة الداعي إلى الحق فتستجيب لها.
قوله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ ...} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر ما يدل على كمال علمه وقدرته، وأبان بعدئذٍ إمكان البعث والحشر والنشر، ثم فصل القول في إعجاز القرآن، ونبه بذلك إلى إثبات نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - .. أردف ذلك بذكر مقدمات القيامة، وما يحدث من الأهوال حين قيامها، فذكر خروج دابة من الأرض تكلم الناس أنهم كانوا لا يؤمنون بآيات ربهم، وأنه حينئذ يُنفخ في الصور فيفزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله تعالى، وأن الجبال تجري وتمر مر السحاب.