بعدما وصفوا جميعًا بالإفك؟
قلتُ: يجاب عنه بأن المراد بالأفاك الذي يكثر الكذب، لا الذي لا ينطق إلا بالكذب. فالمراد بقوله: {وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} أنه قل من يصدق منهم فيما يحكي عن الشياطين، وقد سبق الجواب عنه بوجه آخر.
وقال شيخ الإِسلام: فإن قلت (?): كيف قال: {وَأَكْثَرُهُمْ} بعدما حكم بأن كل أفاك أثيم؛ أي: فاجر؟
قلتُ: الضمير في {أَكْثَرُهُمْ} لـ {الشَّيَاطِينُ}، لا للأفاكين، ولو سلم فالأفاكون هم الذين يكثرون الكذب، لا أنهم الذين لا ينطقون إلا بالكذب. انتهى.
وقال في "كشف الأسرار": استثني منهم بذكر الأكثر سطيحًا وشقًا وسواد بن قارب الذين كانوا يلهجون بذكر رسول الله وتصديقه، ويشهدون له بالنبوة، ويدعون الناس إليه. انتهى.
والغرض الذي سيق لأجله هذا الكلام (?): رد ما كان يزعمه المشركون من كون النبي - صلى الله عليه وسلم - من جملة من يلقي إليه الشياطين السمع من الكهنة ببيان أن الأغلب على الكهنة الكذب، ولم يظهر من أحوال محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا الصدق، فكيف يكون كما زعموا، ثم إن هؤلاء الكهنة يعظمون الشياطين، وهذا النبي المرسل - صلى الله عليه وسلم - من عند الله سبحانه برسالته إلى الناس يذمهم ويلعنهم، ويأمر بالتعوذ منهم.
وحاصل معنى الآيات: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221)}؛ أي: هل أخبركم خبرًا جليًا نافعًا في الدين، عظيم الجدوى في الدنيا، تعلمون به الفارق بين أولياء الشيطان وأولياء الرحمن ببيان جواب سؤال {عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ}،
ثم أشار إلى الجواب عن هذا السؤال بوجهين:
1 - {تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222)}، أي: هي تنزل على كل كذاب فاجر من