ورويس {الزانيةَ والزاني} بنصبهما على الاشتغال؛ أي: واجلدوا الزانية والزاني، كقولك زيدًا فاضربه، ولدخول الفاء هنا وفي أمثاله تقرير ذكر فى علم النحو، والنصب هنا أحسن منه في {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا} لأجل الأمر.

وقال أبو حيان: وقد تضمنت (?) هذه السورة أحكامًا كثيرةً فيما يتعلق بالزنا، ونكاح الزناة، وقذف المحصنات، والتلاعن والحجاب وغير ذلك، فبدىء بالزنا لقبحه، وما يحدث عنه من المقاسد والعار، وكان قد نشأ فى العرب وصار من إمائهم أصحاب رايات.

{وَلَا تَأْخُذْكُمْ} أيها المسلمون {بِهِمَا}؛ أي: بالزانية والزاني {رَأْفَةٌ}؛ أي: رحمة ورقة، وقيل: الرأفة فى دفع المكروه، والرحمة فى إيصال المحبوب. كما فى "النسفي". وتنكيرها للتقليل؛ أي (?): لا يأخذكم شيء قليل من الرحمة والشفقة عليهما {فِي دِينِ اللَّهِ} سبحانه؛ أي: فى طاعته وإقامة حده، فتعطلوه أو تسامحوا فيه بعدم الإيجاع ضربًا، والتكميل حدًا، ولذلك قال عليه السلام: "لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها". وذلك أن المضروب يفعل أثناء الضرب أفعالًا غريبة، ويتضرع ويستغيث، ويسترحم، وربما يغشى عليه، فيرأف به الإِمام، أو الضارب أو بعض الحاضرين، لا سيما إذا كان أحب الناس إليه، كالولد والأخ مثلًا، فلا يستوفي حد الله وحقه، ولا يكمل جلده مئة بل ينقصه بترك شيء منها، أو بتخفيف الضرب، فنهاهم الله سبحانه عن ذلك. وفيه تنبيه على أن الله تعالى إذا أوجب أمرًا قبح استعمال الرحمة فيه.

وفي الحديث: "يؤتى بوالٍ نقَّص من حدٍ سوطًا، فيقال: لم نقصت؟ فيقول: رحمة لعبادك، فيقال له: أنت أرحم مني، انطلقوا به إلى النار، ويؤتى بمن زاد سوطًا. فيقال: لم زدت؛ فيقول: لينتهوا عن معاصيك، فيقال له: أنت أحكم مني فيؤمر به إلى النار".

قال فى "الأسئلة المقحمة": إن الله تعالى نهى عن الرأفة والرحمة، وعلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015