وفي "الشهاب" قال الإِمام الرازي: ذكر الله فى أول السورة أنواعًا من الأحكام والحدود، وفي آخرها دلائل التوحيد، فقوله: {وَفَرَضْنَاهَا} إشارة إلى الأحكام وقوله: {وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} إشارة إلى ما بين فيها من دلائل التوحيد ويؤيده قوله: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}. فإن الأحكام لم تكن معلومة حتى نؤمر بتذكرها.
وتكرير (?) أنزلناها مع استلزام إنزال السورة لإنزالها, لإبراز كمال العناية بشأنها، فكأنه يقول: ما أنزلتها عليكم لمجرد التلاوة، وإنما أنزلتها للعمل والتطبيق. {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}؛ أي: تتعظون فتتقون المحارم؛ أي: لكي تتعظوا، وتعتبروا بهذه الأحكام، وتعملوا بموجبها.
وقرأ حفص وحمزة والكسائي بتخفيف الذال (?)، وحذف إحدى التائين. والباقون بالتشديد. وفيه إيذان بأن حقها أن تكون على ذكر منهم، بحيث متى مست الحاجة إليها استحضروها.
والحاصل: أن الله سبحانه وتعالى (?) امتن على عباده بما أنزل عليهم فى هذه السورة من الفرائض والأحكام، وفصله لهم من أدلة التوحيد وبيناته الواضحة، التي لا تقبل جدلًا، ليعدهم بذلك؛ لأن يتعظوا ويعملوا بما جاء فيها مما فيه سعادتهم فى دنياهم وآخرتهم وفي صلاحهم، فإن فى حفظ الفروج صيانة للأنساب، واطمئنانًا على سلامتها مما يشوبها، كما أن فيه أمنًا من حصول الضغائن والأحقاد، التي قد تجر إلى القتل، وارتكاب أفظع الجرائم بين الأفراد، وأمنًا على الصحة، والبعد من الأمراض التي قد تودي بحياة المرء وتوقعه فى أشد المصائب، وأعظم ألوان المهالك.
كما جاء فيها توثيق روابط المودة بين أفراد المجتمع، ففيها نظام دخول البيت للتزاور، وفيها حفظ الألسنة، وصونها عن الولوغ فى الأعراض بما لا ينبغي أن يقال، حتى لا ينتشر الفحش بين الناس. وفيها تحذير للعباد من ذلك