الشهوات، وغير ذلك مما نهى عنه. وتوسيط حديث الإعراض بين الطاعة البدنية والمالية، لكمال ملابسته بالخشوع في الصلاة، وقال أبو حيان: ولما وصفهم بالخشوع في الصلاة، أتبعهم الوصف بالإعراض عن اللغو، ليجمع لهم الفعل والترك الشاقين على الأنفس، اللذين هما قاعدتا بناء التكليف، انتهى.
والمعنى: أي الذين يعرضون عن كل ما لا يعنيهم، وعن كل كلام ساقط حقه أن يلغى، كالكذب والهزل والسبّ، إذ لهؤلاء من الجد ما يشغلهم، فهم في صلاتهم معرضون عن كل شيء، إلا عن خالقهم، وفي خارجهم معرضون عن كل ما لا فائدة فيه، فهم متجهون للجد، وصالح الأعمال، فهم قد استفادوا من خشوع الصلاة وانتفعوا منه بعدها، وتخلقوا بأخلاق النبيين والصديقين.
4 - والرابع: تطهيرهم لأنفسهم بأداء الزكاة، وذكره بقوله: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ}؛ أي: للصدقة المفروضة {فَاعِلُونَ}؛ أي: مؤدونها إلى مستحقيها من الأصناف الثمانية المذكورة في سورة التوبة؛ لأجل طهارة أنفسهم وتزكيتها، كما قال: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9)} وقال: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14)}.
واعلم (?): أن الزكاة تطلق على القدر المخرج، كربع العشر من النقدين، والعشر أو نصفه من الحبوب والثمار، والشاة من الأربعين، فيكون على هذا معنى فاعلون: مؤدون؛ لأن القدر المخرج لا معنى لفعله، فعبر عن التأدية بالفعل؛ لأنها مما يصدق عليه الفعل، وتطلق على المصدر الذي هو فعل الفاعل، وعلى هذا يكون فاعلون على بابه؛ أي: والذين هم لتزكية أنفسهم، وتطهيرها فاعلون؛ بإخراج المال في مصارف الزكاة، وفي "التأويلات النجمية": يشير إلى أن الزكاة إنما وجبت لتزكية النفس عن الصفات الذميمة النجسة من حب الدنيا، أو غيره، ولم يكن المراد مجرد إعطاء المال وحبه في القلب، وإنما كان لمصلحة إزالة حب الدنيا عن القلب، ومثل حب الدنيا جميع الصفات الذميمة إلى أن تتم إزالتها.
5 - والخامس: حفظ الفرج، وذكرَه بقوله: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5)}؛