لانتفاء جدوى السماع، كحال الذين عدموا صحيح السماع، وينعق بهم، فلا يسمعون. وتقييد نفي السماع به، مع أن الصُمَّ لا يسمعون الكلام إنذارًا كان، أو تبشيرًا، لبيان كمال شدة الصمم، كما أنَّ إيثار الدعاء الذي هو عبارة عن الصوت والنداء على الكلام لذلك، فإن الإنذار عادةً يكون بأصوات عالية، مكررة مقارنة لهيئةٍ دالةٍ عليه، فإذا لم يسمعوها، يكون صممهم في غايةٍ من تتمة الكلام ورائها، وهذا من تتمة الكلام الملقن، ويجوز أن يكون أو جهته تعالى، كأنه قيل: قل لهم ذلك وأنت بمعزل من إسماعهم.
والمعنى (?): أي فما مثلهم إذ لم ينتفعوا بما سمعوا أو الإنذار، على كثرته وتتابعه، إلَّا مثل الصم، الذين لا يسمعون شيئًا، إذ ليس الغرض من الإنذار السماع فحسب، بل العمل بما يسمع بالإقدام على فعل الواجب، والتحرّز من المحرم ومعرفة الحق، فإذا لم يحصل شيء من هذا، فلا جدوى في السمع، وكأن لم يكن.
والخلاصة: أن الكافر بالله لا يوجِّه همَّه إلى العظة بما في كتابه، من المواعظ، حتى يقلع عما هو عليه مقيمٌ من الضلال، بل يعرض عن التفكر فيها فعل الأصم، الذي لا يسمع ما يقال له حتى يعمل به.
وقرأ الجمهور (?): {يَسْمَعُ} بفتح الياء والميم، الصُمُّ رفع به، والدعاء نصب. وقرأ ابن عامر وأحمد بن جبير عن أبي عمرو وابن الصلت عن حفص بالتاء أو فوق مضمومة، وكسر الميم، {الصُّمُّ الدُّعَاءَ} بنصبهما، والفاعل ضمير المخاطب، وهو الرسول - صلى الله عليه وسلم -. وكذا قرأه أبو حيوة ويحيى بن الحارث. وقرأ ابن يعمر والحسن كذلك إلّا أنه بالياء أو تحت؛ أي: ولا يسمع الرسول، وعنهما أيضًا. ولا يسمع مبنيًا للمفعول. الصم رفع به، ذكره ابن خالويه، وكذا قرأه أبو عبد الرحمن السلمي ومحمد بن السميقع. وقرأ أحمد بن جبير الأنطاكي عن اليزيدي عز أبي عمرو {يُسْمِع} بضم الياء وكسر الميم، {الصمَّ} نصبًا،