الليل لما أن الدواهي أكثر فيه وقوعًا، وأشدّ وقعًا؛ أي: قل يا محمد لأولئك المستهزئين بطريق التقريع والتوبيخ: من يحرسكم ويحفظكم بالليل والنهار، من بأس الرحمن وعذابه، الذي تستحقون حلوله بكم، ونزوله عليكم.
والخلاصة: من يحفظكم بالليل إذا نمتم، وبالنهار إذا تصرّفتم في أمور معايشكم، من عذاب الرحمن إن نزل بكم، ومن بأسه إذا حل بساحتكم.
{بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ}؛ أي: عن القرآن ومواعظه {مُعْرِضُونَ}؛ أي: لا يتأملون في شيء منها؛ أي: لا يخطرون ذكره تعالى ببالهم، فضلًا عن أن يخافوا الله، ويعدّوا ما كانوا عليه من الأمن والدعة، حفظًا وكلاءةً، حتى يسألوا عن الكالىء؛ أي: دعهم عن هذا السؤال؛ لأنهم لا يصلحون له لإعراضهم عز ذكر الله تعالى.
والمعنى: أي إن هؤلاء القوم قد ألهتهم النعم عز المنعم، فلا يذكرون الله تعالى حتى يخافوا بأسه، فهم مع وجود الدلائل العقلية، والنقلية، الدالة على أنه تعالى هو الكالىء الحافظ، معرضون عنها، لا يتأملون فيها. وفي ذكر (?) "الرب" إيماء إلى أنهم خاضعون لسلطانه، وأنهم في ملكوته وتدبيره وجميل رعايته وتربيته، وهم على ذلك معرضون، فهم في الغاية القصوى من الضلال، وفي النهاية الكبرى من الجهل والغباء.
والحاصل: أن الله سبحانه، لمّا بيّن (?) أنهم سيصيبهم لا محالة مثل ما أصاب الأولين، بيّن أن عدم إصابة ذلك لهم عاجلًا إنما هو بحفظه، حيث أمهلهم مدة بمقتضى رحمته العامة، فأمره - صلى الله عليه وسلم - بأن يسألهم عن الكالىء ليقروا وينتبهوا، لكونهم في قبضة قدرته، ليكفوا عن الاستهزاء، ثم أضرب عن ذلك الأمر بقوله: {بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ}؛ أي: دعهم يا محمد عن هذا السؤال؛ لأنهم لا يصلحون له لإعراضهم عن ذكر الله، فلا يخطرونه ببالهم حتى يخوّفوا بالله، ثم إذا رزقوا الكلأة من عذابه عرفوا أن الحافظ هو الله،