أولًا، وهو الزرع المحصود، ووجه الشبه بين المشبه والمشبه به هو الاستئصال من المنابت، ثم شبههم ثانيًا بالنار المنطفئة، ولم يبق منها إلا جمر منطفىء لا نفع فيه، ولا قابلية لشيء من النفع منه، فلا ترى إلا أشلاء متناثرة وأجزاء متفرقة، قد تبددت، وقد ران عليها البلى.
ومنها: الاستعارة المكنية في قوله: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} فقد شبّه الحق والباطل - وهما معنويان - بشيئين مادّيين محسوسين يقذفان ويدفعان، ثم حذف هذين الشيئين، واستعار ما هو من لوازمهما، وهما القذف والدمغ لتجسيد الإطاحة بالباطل واعتلاء الحق عليه، وتصوير إبطاله وإهداره ومحقه، كأنه جرم صلب كصخرة، أو ما يماثلها في القوة والصلابة قذف على جرم رخو أجوف فدمغه، وهي من استعارة المحسوس للمعقول.
ومنها: قوة اللفظ لقوة المعنى، وهو نقل اللفظ من وزن إلى وزن آخر أكثر منه ليتضمّن من المعنى الدال عليه أكثر مما تضمّنه أولًا؛ لأن الألفاظ أدلة على المعاني، وأمثلة للإبانة عنها، فإذا زيد في الألفاظ أوجبت القسمة زيادة المعاني، وهذا الضرب من الزيادة لا يستعمل إلّا في مقام المبالغة، وهو هنا في قوله: {وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ} فقد عدل عن الثلاثي، وهو حسر إلى السداسي، وهو استحسر، وقد كان ظاهر الكلام أن يقال: يحسرون؛ أي: يكلون ويتعبون.
ومنها: التصريح بالضمير في قوله: {هُمْ يُنْشِرُونَ} وقد كان يكفي أن يقول: ينشرون، ولكنه عدل عن ذلك إلى التصريح بالضمير لإفادة معنى المخصوصية أولًا، كأنهم قالوا: ليس هنا من يقدر على الإنشار غيرهم، وثانيًا لتسجيل إلزامهم ادّعاء صفات الألوهية لآلهتهم، وهذا الإدعاء قد أبطله الله في الآية التالية لهذه الآية {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}.
ومنها: المذهب الكلامي في قوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} وتعريفه: أنه هو احتجاج المتكلّم على ما يريد إثباته بحجة تقطع المعاند له على طريقة أرباب الكلام، وله طرق متعددة كما هو مبين في محله.