[8]

والمعنى: أي (?) وما أرسلنا إلى الأمم قبل إرسالك إلى أمتك إلَّا رجالًا مخصوصين من أفراد الجنس مستأهلين للاصطفاء والإرسال، نوحي إليهم بواسطة الملك ما نوحي من الشرائع والأحكام، وغيرهما من القصص والأخبار، كما نوحي إليك من غير فرق بينهما في حقيقة الوحي، وحقيقة مدلوله، كما لا فرق بينه وبينهم في البشرية، فما لهم لا يفهمون أنك لست بدعًا من الرسل، وأن ما أوحي إليك ليس مخالفًا لما أوحي إليهم، فيقولون ما يقولون.

وجاء بمعنى الآية قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ}، وقوله: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ}، وقوله: حكاية عمن تقدم من الأمم: {أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا}.

وقرأ حفص، وحمزة، والكسائي {نُوحِي} بالنون وكسر الحاء. وقرأ الجمهور {يوحى} بالياء التحتية مبنيًا للمفعول.

ثم أمرهم سبحانه أن يسألوا في ذلك أهل الكتاب من اليهود والنصارى تبكيتاً لهم، وإزالةً لما علق بأذهانهم من الاستبعاد، بعد أن بيَّن لهم وجه الحق فقال: {فَاسْأَلُوا} أيها الكفرة الجهلة {أَهْلَ الذِّكْرِ}؛ أي: أهل الكتاب ممن يؤمن بالتورة، والإنجيل، الواقفين على أحوال الرسل السالفة لتزول شبهتكم {إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} الحق؛ أي: أن الرسل بشر، ولا يتبيّن لكم الصواب، يخبروكم عن ذلك، أمروا بذلك؛ لأن إخبار الجم الغفير يوجب العلم، لا سيما وهم كانوا يشايعون المشركين في عدواته - صلى الله عليه وسلم -، ويشاورونهم في أمره، وكانوا لا ينكرون كون الرسل بشرًا، وإن أنكروا نبوته - صلى الله عليه وسلم -. روي أنه قيل للإمام الغزالي رحمه الله: بماذا حصل لكم الإحاطة بالأصول والفروع؟ فتلا هذه الآية، وأشار إلى أن السؤال من أسباب العلم وطرائقه.

8 - وبعد أن بيّن أنه - صلى الله عليه وسلم - على سنة من مضى من الرسل في كونه رجلًا، بيّن أنه على سنتهم في سائر الأوصاف التي حكم بها على البشر في معيشتهم وموتهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015