منهم، مع أنَّهم هم السبب في إخراجهم وأسرهم مع علمهم بتحريم إخراجهم، وبذكر أنهم آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض، هذا مع أنَّه كُلَّه حَقٌّ وصِدْقٌ، فلا يناسب ذلك الكفر ببعض والإيمان ببعض، ثم ذكر أنَّ الجزاء لفاعل ذلك هو الخزيُ في الدنيا، وأشدُّ العذاب في الآخرة، وأنَّ الله تعالى لا يغفل عمَّا عملوه فيجازيهم على ذلك. ثم أشار إلى أنَّ من تحلَّى بهذه الأوصاف الذميمة، وخالف أمر الله ونهيه، هو قد اشترى عاجلًا تافهًا بآجلٍ جليلٍ، وآثر فانيًا مكدَّرًا على بَاقٍ صافٍ، وأنَّ نتيجة هذا الشراء أن لا يخفَّف عنهم ما حلَّ بهم من العذاب، ولا يجدوا ناصرًا يدفع عنهم سوء العذاب، وشديد العقاب، لقد خسروا تجارةً، وبدَّلُوا بالنعيم السرمديِّ نارًا وقودها الناس والحجارة، وإذا كان التخفيف قد نفي، فالرفع أولى، وهل هذا إلّا من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى؟!. انتهى.
87 - {وَلَقَدْ آتَيْنَا}؛ أي: بالله لقد أعطينا يا بني إسرائيل {مُوسَى} بن عمران؛ أي: وعزّتي وجلالي، لقد أعطينا موسى بن عمران {الْكِتَابَ} أي: التوراة جملةً واحدةً.
ومناسبة هذه الآية لِمَا قبلها (?): أنّ إيتاء موسى الكتاب هو نعمة لهم، إذْ فيه أحكامهم وشرائعهم، ثُمَّ قابلوا تلك النعمة بالكفران، وذلك جَرْيٌ على ما سبق من عادتهم، إذ قد أمروا بأشياء ونهوا عن أشياء، فخالفوا أمر الله ونهيه، فناسب ذكْرُ هذه الآية ما قبلها، والإيتاء (?): الإعطاء، فيحتمل أن يراد به الإنزال؛ لأنَّه أنزله عليه جملةً واحدةً، ويحتمل أن يراد آتيناه: أفهمناه ما انطوى عليه من الحدود، والأحكام، والأنباء، والقصص، وغير ذلك ممَّا فيه، فيكون على حذف مضاف؛ أي: آتينا موسى علم الكتاب، أو فهم الكتاب، وموسى هو نبيُّ الله موسى بن عمران صلى الله على نبيّنا وعليه وسلّم، وهو لغةٌ عبرانيةٌ، قد سبق عند قوله: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى ...} الآية. والكتاب هنا: التوراة في قول الجمهور، والألف واللام فيه للعهد إذ قرن بموسى، وانتصابه على أنّه مفعول ثان