وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} وقد تكرر ذكر هذه القصة في مواضع من الكتاب الكريم، وهي في كل موضع سيقت لفائدة غير ما جاءت له في المواضع الأخرى على اختلاف أساليبها وعباراتها، ولا عزو فهي من نسج العليم الخبير.
وعبارة أبي حيان هنا: ذكروا (?) في ارتباط هذه الآية بما قبلها: أنه تعالى لمّا أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - بمجالسة الفقراء، وكان أولئك المتكبرون قد تأنفوا عن مجالستهم، وذكروا للرسول - صلى الله عليه وسلم - طردهم عنه، وذلك لما جبلوا عليه من التكبر، والتكثر بالأموال والأولاد، وبشرف الأصل والنّسب، وكان أولئك الفقراء بخلافهم في ذلك .. ناسب ذكر قصة إبليس بجامع ما اشتركا فيه من التكبر، والافتخار بالأصل الذي خلق منه، وهذا الذي ذكروه في الارتباط هو ظاهر بالنسبة للآيات السابقة قبل ضرب المثلين، وأما أنه واضح بالنسبة لما بعد المثلين فلا، والذي يظهر في ارتباط هذه الآية بالآية التي قبلها هو أنه لمّا ذكر يوم القيامة، والحشر، وذكر خوف المشركين مما سطر في ذلك الكتاب، وكان إبليس هو الذي حمل المجرمين على معاصيهم، واتخاذ شركاء مع الله، ناسب ذكر إبليس، والنهي عن اتخاذ ذريته أولياء من دون الله، تبعيدا عن المعاصي وعن امتثال ما يوسوس به.
قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها (?): أنّ الله سبحانه وتعالى لمّا ذكر شبهات المبطلين، ورد عليها بأدلة لا تدحض، وبرهانات لا ترد .. قفّى على ذلك ببيان أن في القرآن من الأمثال ما فيه مقنع لمن تذكّر وتدبر، وألقى السمع، وهو شهيد، لكنها القلوب قد تحجرت، والأفئدة قد قست، فلا تنفع فيها الذكرى، ولا تستجيب لوعظ الواعظ، ونصيحة المذكر، ولو آخذهم ربهم بما كسبوا ... لأرسل عليهم العذاب معجلًا، ولم يبق منهم على ظهر الأرض أحدًا، ولكنه الغفور ذو الرحمة، فجعل لهلاكهم موعدا، لعلهم يتوبون إلى رشدهم ويرعوون عن غيّهم.