البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: التشبيه التمثيلي في قوله: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ} لأنّ وجه الشبه منتزع من متعدد.
ومنها: التتميم - ويقال له التمام - في قوله: {وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعًا} لأن وصف الجنّتين أولًا باشتمالهما على أعناب، ونخيل ثم تمم ذلك بقوله: {وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعًا} لئلا يتوهّم أنّ الانتفاع قاصر على النخيل والأعناب، ولتكون كلٌّ من الجنّتين جامعة للأقوات والفواكه، متواصلة العمار على الشكل الحسن، والترتيب الأنيق، ثم تمم ذلك أيضًا بقوله: {وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَرًا} للدلالة على ديمومة الانتفاع بهما، فإن الماء هو سر الحياة، وعامل النمو الأول في النباتات، وإذن فقد استكمل هذا الرجل كلّ الملاذ، واستوفى ضروب النّعم ثم تمم ذلك أيضًا بقوله: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها} لاستحضار الصورة التامة للانتفاع بالموارد.
ومنها: الاحتراس بقوله: {وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا} لأنه احتراس به من أن يكون ثمة نقص في الأكل الذي آتته.
ومنها: الكناية في قوله: {آتَتْ أُكُلَها} لأنّه كناية عن تمامها، ونموها دائمًا، وأبدًا فليست على عادة الأشجار حيث يتم ثمرها في بعض السنين، وينقص في بعض.
ومنها: اللف والنشر المشوش في قوله: {قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ} الخ لأن (?) حاصل ما قاله الكافر من القول الشنيع ثلاث مقالات: الأولى: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا ...} إلخ الثانية: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ ...} إلخ الثالثة: {وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً ...} إلخ، وقد تعقبه المؤمن في الثلاثة على سبيل اللف، والنشر المشوش، فوبخه على الأخيرة، بقوله: {أَكَفَرْتَ بِالَّذِي