قال أبو منصور - رحمه الله تعالى -: تُصرف الأيام المعدودة إلى العمر الذي عصوا فيه، وهم لم يروا التعذيب إلّا على قدر وقت العصيان، أو كانوا لا يرون التخليد في النار كالجهميِّ، أو لأنهم كانوا يقولون: نحن أبناء الله وأحبّاؤه فلا نعذَّب أبدًا، بل نُعذَّب تعذيب الأب ابنه، والحبيب حبيبه في وقت قليل ثم يرضى. وهذا منهم باطل، وعقوبة الكفر مؤبَّدة، وثواب الإيمان كذلك؛ لأنَّ من اعتقد دينًا إنّما يعتقده للأبد، فعلى ذلك جزاؤه للأبد. وروي أنَّ سبب (?) نزول هذه الآية: أنّهم زعموا أنّهم وجدوا في التوراة مكتوبًا: إنَّ ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة، إلى أن ينتهوا إلى شجرة الزقوم، قالو: إنّما نعذّب حتى ننتهي إلى شجرة الزقوم، فتذهب جهنّم وتهلك. روي ذلك عن ابن عباس. وقيل: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنّ اليهود من أهل النار" فقالوا: نحن، ثُمَّ تخلفوننا أنتم، فقال: "كذبتم لقد علمتم أنَّا لا نخلفكم" فنزلت هذه الآية.
والضمير في قوله (?): {وَقَالُوا} عائد على الذين يكتبون الكتاب، جمعوا إلى تبديل كتاب الله وتحريفه، وأخذهم به المال الحرام، وكذبهم على أنّه من عند الله، الإخبار بالكذب البحت عن مدّة إقامتهم في النار.
فإن قلت (?): لِمَ قال هنا {مَعْدُودَةً} بالإفراد، وفي آل عمران {معدودات} بالجمع؟.
قلت: إشارةً إلى الجمع بين الأصل والفرع، إذ الأصل في الجمع بالألف والتاء: إذا كان واحده مذكّرًا أن يقتصر في الوصف على تأنيثه مفردًا، كقوله تعالى: {فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13)} وقد يقال: (سرر مرفوعات) على الجمع، فهو فرعٌ عن الأول، فذكر في البقرة على الأصل؛ لكونها أوّل، وفي آل عمران على الفرع؛ لكونها آخرًا، ثُمَّ قال تعالى رَدًّا عليهم وتكذيبًا لهم: {قُلْ} لهم يا محمد!