ربّكم في الدنيا والآخرة. والهمزة في قوله: {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} للاستفهام التوبيخيّ العتابيّ، داخلةٌ على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: ألا تلاحظون فلا تعقلون الخطأ الفاحش، وهو أنَّ ذلك حجّة لهم عليكم، فالمنكَر عدم التعقُّل ابتداءً، أو تفعلون ذلك فلا تعقلون بطلانه مع وضوحه، حتى تحتاجون إلى التنبيه عليه، فالمُنْكر حينئذٍ عدم التعقّل بعد الفعل.

قال أبو حيان: قوله: {بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ} {مَا} (?) موصولة، والضمير العائد عليها محذوف، تقديره: بما فتحه الله عليكم، وقد جوَّزوا في {مَا}: أن تكون نكرةً موصوفة، وأن تكون مصدريَّة؛ أي: بفتح الله عليكم، والوجه الأوَّل هو الأولى، والذي تحدثوا به هو ما تكلَّم به جماعةٌ من اليهود من صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قاله أبو العالية وقتادة، أو عُذِّب به أسلافهم، قاله: السدّيُّ، وقال مجاهد: إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال لبني قريظة: "يا إخوة الخنازير والقردة"، فقال الأحبار لأتباعهم: ما عُرِفَ هذا إلّا عندكم.

وقال ابن زيد؛ كانوا إذا سئلوا عن شيء قالوا: في التوراة كذا وكذا، فكره ذلك أحبارهم، ونهوا عن الخلوة عنه. فعلى ما قاله أبو العالية: يكون الفتح بمعنى: الإعلام والإذكار؛ أي: أتحدِّثونهم بما أعلمكم الله به من صفة نبيّهم. ورواه الضحاك، عن ابن عباس. وعلى قول السدي يكون بمعنى: الحكم والقضاء؛ أي: أتحدِّثونهم بما حكم الله به على أسلافكم وقضاه من تعذيبهم. وعلى قول ابن زيد: يكون بمعنى: الإنزال؛ أي: أتحدِّثونهم بما أنزل الله عليكم في التوراة. وقال الكَلْبِيُّ: المعنى: بما قضى الله عليكم، وهو راجع لمعنى الإنزال. وقيل المعنى: بما بيَّن الله لكم من أمر محمَّد - صلى الله عليه وسلم - وصفته، وشريعته، وما دعاكم إليه من الإيمان به، وأخذ العهود على أنبيائكم بتصديقه ونصرته.

وقيل المعنى: بما مَنَّ الله عليكم من النصر على عدوّكم، ومن تأويل كتابكم. والسلام في قوله: {ليحاجوكم} لام كي، والنصب بأن مضمرةٍ بعدها،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015