به في هذه الآية التصدق عليهما بما بلغت إليه القدرة من صدقة النفل، أو مما فرضه الله لهما من صدقة الفرض، فإنهما من الأصناف الثمانية التي هي مصرف الزكاة، والمسكين هو من له شيء من المال أو الكسب يقع موقعا من كفايته، ولا يكفيه تمام حاجته، والفقير من له شيء من المال أو الكسب لا يقع موقعًا من كفايته، أو لا شيء له أصلًا.
{وَابْنَ السَّبِيلِ} هو المسافر لغرض في غير معصية المنقطع عن ماله، فيجب إعانته ومساعدته على سفره حتى يصل إلى مقصده، وقد بسطنا الكلام على الأصناف الثلاثة في سورة التوبة فراجعها.
ولما أمر الله سبحانه بما أمر به من الإنفاق نهى عن التبذير، وهو صرف المال في غير مصارفه، وتفريقه كيفما كان من غير تعمد لمواقعه، كما يفرّق البذر في الأرض، وقال الشافعي: التبذير إنفاق المال في غير حقه، وهو حرام فقال: {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا}؛ أي: ولا (?) تفرق أيها الإنسان ما أعطاك الله من مال في معصيته، تفريقا بإعطائه من لا يستحقه أو بإنفاقه في المحرمات كالمناهي والملاهي، أو بإنفاقه رئاءً وسمعةً،
27 - ثم نبه سبحانه على قبح التبذير بإضافته إلى الشياطين فقال: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ}؛ أي: إنّ المسرفين بإنفاق أموالهم في غير مصارفها {كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ} أي: أتباعهم وأصدقاءهم؛ لأنهم يطيعونهم فيما يأمرونهم به من الإسراف، تقول العرب: لكل من لازم سنّة قوم واتبع أثرهم هو أخوهم؛ أي: إنّ المفرقين أموالهم في معاصي الله المنفقيها في غير طاعته إخوان الشياطين، وقرناؤهم في الدنيا والآخرة كما قال: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} وقال: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ}، أي: قرناءهم من الشياطين {وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ}؛ أي: لنعمة ربه التي أنعم بها عليه {كَفُورًا} أي جحودا لا يشكره عليها، بل يكفرها بترك طاعته، وارتكابه معصيته، وكذا إخوانه المبذرون أموالهم في معاصي الله، لا يشكرون الله على نعمه عليهم، بل يخالفون