وأما إعادة النداء بقوله: {رَبِّ إِنَّهُنَّ ...} إلخ فلتأكيد النداء الأول، وكثرة الابتهال والتضرع إليه، وأنث الأصنام؛ لأنه جمع ما لا يعقل يخبر عنه أخبار المؤنث؛ أي: وإنما سألت منك العصمة، واستعذت بك من إضلالهن؛ لأنهن؛ أي: لأن الأصنام أضللن كثيرًا من الناس. أسند الإضلال إلى الأصنام مع كونها جمادات لا تعقل؛ لأنها سبب لضلالهم، فكأنها أضلتهم؛ أي: يا رب إن الأصنام أزلن كثيرًا من الناس عن طريق الهدى وسبيل الحق حتى عبدوهن، وكفروا بك {فَمَنْ تَبِعَنِي} من الناس على ما أنا عليه من الإيمان بك، وإخلاص العبادة لك، والبعد عن عبادة الأوثان {فَإِنَّهُ مِنِّي}؛ أي: من أهل ديني، ومستن بسنتي، وجارٍ على طريقتي. جعل أهل ملته كنفسه مبالغة. {وَمَنْ عَصَانِي} وخالف أمري، فلم يتابعني، ولم يقبل مني ما دعوته إليه، وأشرك بك {فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} له؛ أي: فإنك قادر على أن تغفر له وترحمه بالتوبة عليه، وهدايته إلى الصراط المستقيم. قيل: قال هذا (?) قبل أن يعلم أن الله لا يغفر أن يشرك به، كما وقع منه الاستغفار لأبيه وهو مشرك، كذا قال ابن الأنباري. وقيل: المراد هنا: عصيانه فيما دون الشرك. وقيل: إن هذه المغفرة مقيدة بالتوبة من الشرك.

فصل

واعلم: أنه قد توجه على هذه الآية إشكالات، وهي من وجوه (?):

الأول: أن إبراهيم عليه السلام دعا ربه أن يجعل مكة آمنة، ثم إن جماعة من الجبابرة وغيرهم قد أغاروا عليها، وأخافوا أهلها.

الوجه الثاني: أن الأنبياء عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام معصومون من عبادة الأصنام، وإذا كان كذلك، فما الفائدة في قوله: اجنبني عن عبادتها؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015