فتسوّروا الحيطان ودخلوا، فرأوهم قد صار الشّبّان قردة، والشيوخ خنازير لها أذناب يتعاوون، فعرفت القردة أنسابهم من الإنس، ولم يعرف الإنس أنسابهم من القردة، فجعلت القردة تأتي نسيبها من الإنس فتشم ثيابه وتبكي، فيقول: ألم ننهكم عن ذلك، فكانوا يشيرون برؤوسهم؛ أي: نعم والدموع تفيض من أعينهم، ودلّ ذلك على أنهم لمّا مسخوا بقي فيهم الفهم والعقل، ثمّ لم يكن ابتداء القردة من هؤلاء، بل كانت قبلهم قردة، وهؤلاء حولوا إلى صورتها؛ لقبحها جزاء على قبح أعمالهم وأفعالهم، وماتوا بعد ثلاثة أيام، ولم يتوالدوا، والقردة التي في الدنيا: هي نسل قردة كانت قبلهم
66 - {فَجَعَلْناها} (?)؛ أي: صيّرنا مسخة تلك الأمة وعقوبتها {نَكالًا}؛ أي: عبرة تنكل من اعتبر بها؛ أي: تمنعه من أن يقدم على مثل صنيعهم {لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها}؛ أي: لما قبلها وما بعدها من الأمم والقرون؛ لأنّ مسختهم ذكرت في كتب الأولين واعتبروا بها، واعتبر بها من بلغتهم من الآخرين، فاستعير ما بين يديها للزمان الماضي، وما خلفها للمستقبل {وَمَوْعِظَةً}؛ أي: تذكرة {لِلْمُتَّقِينَ} الذين نهوهم عن الاعتداء من صالحي قومهم، أو لكل متّق سمعها، فاللام للاستغراق العرفيّ على كلا التقديرين، وخصّ المتقين بالذكر؛ لأنهم الذين ينتفعون بالعظة والتذكير.
قال الله تعالى: {فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} والمعنى: {فَجَعَلْناها}؛ أي (?): جعلنا تلك العقوبة، والمسخة التي مسخناهم بها {نَكالًا}؛ أي: عقوبة رادعة زاجرة {لِما بَيْنَ يَدَيْها}؛ أي: للأمم التي في زمانها، التي ترى تلك الفرقة الممسوخة عن الإتيان بمثل فعلهم {وَما خَلْفَها}؛ أي: وزاجرة للأمم التي تأتي بعدها إلى يوم القيامة أن يعملوا بمثل ما عملوا، فيمسخوا مثل ما مسخوا {وَمَوْعِظَةً}؛ أي: عبرة وتذكرة {لِلْمُتَّقِينَ} المؤمنين من هذه الأمة؛ لئلّا يفعلوا مثل فعلهم؛ فإن كلّ من سمع تلك الواقعة يخاف أن ينزل به مثل ما نزل بهم إن فعل مثل فعلهم، وقد تضمنت هذه الآيات الكريمة التسوية بين مؤمن اليهود،