خبرهم؛ أي: ما قصتهم وما شأنهم، فقال: {جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ}؛ أي: جاءت تلك الأمم المذكورة رسلهم بالمعجزات الظاهرة والبينات الباهرة، وبين كل رسول لأمته طريق الحق ودعاهم إليه؛ ليخرجهم من الظلمات إلى النور {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ}؛ أي: جعلت الأمم أيدي أنفسهم {فِي أَفْوَاهِهِمْ} ليعضوها غيظًا مما جاءت به الرسل؛ لنفرتهم عن استماع كلامم؛ إذ سفَّهوا أحلامهم وشتموا أصنامهم، وقد فعلت العرب مثل ذلك مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما قال سبحانه: {عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}، أو المعنى (?): وضعوا أيديهم على أفواههم مشيرين إلى الرسل؛ أي: كفوا عن هذا الكلام واسكتوا. وقال أبو عبيدة والأخفش (?): وَنِعَمَّا قالا: "هو مثلٌ، والمراد: أنهم لم يؤمنوا ولم يجيبوا، والعرب تقول للرجل إذا أمسك عن الجواب وسكت: قد رد يده في فيه".
{وَقَالُوا}؛ أي: قال الكفار للرسل: {إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ} من البينات على زعمكم؛ أي: إنا كفرنا بما زعمتم أن الله تعالى أرسلكم به من البينات التي أظهرتموها حجة على صحة رسالتكم، وإنما يقصدون من الكفر بها الكفر بدلالتها على صدق رسالتهم {وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ}؛ أي: وإننا لكائنون في شك عظيم {مِمَّا تَدْعُونَنَا}؛ أي: في حقيَّة ما تدعوننا إليه من الإيمان باللهِ وحده وترك ما سواه، وجملة ما جئتم به من الشرائع. {مُرِيبٍ}؛ أي: موجب للريب والقلق والاضطراب وعدم طمأنينة النفس، فـ {مُرِيبٍ} صفة توكيدية.
وخلاصة مقالهم: أنهم جاحدون نبوتهم قاطعون بعدم صحتها، لأن ما جاؤوا به من التعاليم والشرائع مما يشك في صدقه، وأن الله سبحانه يدعو إلى مثله.
فإن قلت (?): إنهم قالوا: إنا كفرنا بما أرسلتم، فكيف يقولون ثانيًا: وإنا لفي شك، والشك دون الكفر، أو داخل فيه؟
قلتُ: إنهم لما صرحوا بكفرهم بالرسل، فكأنهم حصل لهم شبهة توجب