إسرائيل، وكفرانهم لنعمة الله عز وجل. خاطبهم تنزيلا لهم مكان آبائهم؛ لما بينهم من الاتحاد، وكان هذا القول منهم في التيه حين سئموا من أكل المن والسلوى؛ لكونهما غير مبدلين، والإنسان إذا داوم شيئا واحدا سئمه، وتذكروا عيشهم الأول بمصر؛ لأنهم كانوا أهل فلاحة، فنزعوا إلى عكرهم عكر السوء، واشتاقت طباعهم إلى ما جرت عليه عادتهم، فقالوا: يا موسى! لن نصبر على طعام واحد غير مبدّل بنوع آخر، والطعام ما يتغذى به. وكنوا عن المن والسلوى بطعام واحد وهما اثنان؛ لأنهم كانوا يأكلون أحدهما بالآخر فيصيران طعاما واحدا، أو أريد بالواحد نفي التبدل والاختلاف، ولو كان على مائدة الرجل ألوان عدّة يداوم عليها كل يوم لا يبدلها. قيل: لا يأكل فلان إلا طعاما واحدا.
وفي «تفسير البغوي» والعرب تعبر عن الواحد بلفظ الاثنين؛ لقوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ} وإنما يخرج من الملح دون العذب. وقيل: المعنى لن نصبر على الغنى فيكون جميعنا أغنياء، فلا يقدر بعضنا على الاستعانة ببعض، لاستغناء كل واحد بنفسه، وكان فيهم أوّل من اتخذ العبيد والخدم {فَادْعُ لَنا}؛ أي: فاسأل لأجلنا {رَبَّكَ} أن يخرج لنا من نبات الأرض. ولغة بني عامر بكسر العين، جعلوا دعا من ذوات الياء، كرمى يرمي؛ والفاء لسببية عدم الصبر للدعاء؛ أي: إن دعوته {يُخْرِجْ لَنَا} أي يظهر لنا ويوجد شيئا {مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ} ومفعول يخرج محذوف، كما قدّرنا والجزم في جواب الطلب، فإنّ دعوته سبب الإجابة؛ أي: إن تدع لنا ربك يخرج لنا شيئا مما تنبته الأرض من الحبوب والبقول، فقد سئمنا المن والسلوى وكرهناه، ونريد ما تخرجه الأرض كعادتنا في مصر. وفي قوله: {مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ} (?) إسناد مجازي بإقامة القابل وهو الأرض، مقام الفاعل وهو الله سبحانه وتعالى، ومن تبعيضية، وما موصولة، ومن في قوله: {مِنْ بَقْلِها} بيانية واقعة موقع الحال من الضمير العائد إلى ما المحذوف؛ أي: مما تنبته الأرض، أو من ما الموصولة؛ أي: حال كون ذلك النابت من