وما قبله وعيد للكفار على مجادلتهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحلول محاله بهم وتهديدهم بإجابة دعائه عليه السلام إن دعا عليهم.
وقوله: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} مبتدأ، خبره جملة قوله: {لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ}؛ أي: والأصنام الذين يدعوهم المشركون ويتضرعون إليهم من دونه تعالى متجاوزين إليهم، فحذف العائد، أو والكفار الذين يدعون الأصنام من دونه تعالى، فحذف المفعول لا يجيبونهم؛ أي: لا يجيب الأصنام. وعبر عن الأصنام بضمير العقلاء؛ لمعاملتهم إياها معاملة العقلاء؛ أي: لا تجيب الأصنام لداعيها بشيء مما يريدونه من نفع أو ضر. والاستثناء في قوله: {إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ} استثناء مفرغ من عام المصدر؛ أي: لا يستجيبونهم استجابةً إلا استجابةً مثل استجابة الماء لمن يبسط ويمد يديه إليه {لِيَبْلُغَ} الماء {فَاهُ}؛ أي: يدعو الماء بلسانه ويشير إليه بيده ليصل إلى فمه {وَمَا هُوَ}؛ أي: الماء {بِبَالِغِهِ}؛ أي: ببالغ فيه؛ لأنه جماد لا يشعر ببسط كفيه ولا بعطشه وحاجته إليه، ولا يقدر أن يجيب دعاءه ويبلغ فيه، وكذا ما يدعونه جماد لا يحس بدعائهم ولا يستطيع إجابتهم ولا يقدر على نفعهم، ففي الكلام تشبيه مركب تمثيلي، كما سيأتي في مبحث البلاغة.
والمعنى: أنه تعالى شبه من يعبد الأصنام بالرجل العطشان الذي يرى الماء بعينه من بعيد، فهو يشير بكفيه إلى الماء ويدعو بلسانه، فلا يأتيه أبدًا، هذا معنى قول مجاهد - وعن عطاء: كالعطشان الجالس على شفير البئر، فلا يبلغ إلى قعر البئر ليجر الماء ولا الماء يرتفع إليه، فلا ينفعه بسط الكف إلى الماء، ودعاؤه له، ولا هو يبلغه. اهـ "خازن".
{وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ} لأصنامهم {إِلَّا فِي ضَلَالٍ}؛ أي: إلا (?) في ضياع وخسار وبطلان؛ لأن الآلهة لا تقدر على إجابتهم، وأما دعاؤهم له تعالى فالمذهب جواز استجابته، وقد أجاب الله دعاء إبليس وغيره، ألا ترى أن فرعون كان يدعو الله في مكانٍ خال عند نقصان النيل فيستجيب الله دعاؤه ويمده، فإذا كان الله لا