إن كونها بسيطة لا ينافي كرويتها؛ لأن جميع الأرض جسم عظيم، والكرة إذا كانت في غاية الكبر كان كل قطعة منها يشاهد كالسطح، ومع ذلك فالله تعالى قد أخبر أنه مد الأرض، وأنه دحاها وبسطها، وكل ذلك يدل على التسطيح، والله تعالى أصدق قيلًا وأبين دليلًا من أصحاب الهيئة.

والثاني منها: ما ذكره بقوله: {وَجَعَلَ فِيهَا}؛ أي: في الأرض {رَوَاسِيَ}؛ أي: جبالًا ثابتة، يقال: رسا الشيء يرسو إذا ثبت، وأرساه غيره أثبته، جمع راسية، والتاء فيه للمبالغة كما في علامة؛ إذ لا يقال: جبال راسية والمعنى (?): وجعل فيها جبالًا ثابتةً أوتادًا للأرض؛ لئلا تضطرب فتستقر ويستقر عليها، وكان اضطرابها من عظمة الله تعالى. قال ابن عباس - رضي الله عنه - كان أبو قبيس أول جبل وضع على الأرض. وقال في "القاموس": أبو قبيس جبل بمكة سمي برجل حداد من مذحج كمجلس؛ لأنه أول من بنى فيه، وكان يسمى الأمين؛ لأن الركن كان مستودعًا فيه. اهـ. قال في "إنسان العيون": وكان أول جبل وضع عليها أبا قبيس، وحينئذ كان ينبغي أن يسمى أبا الجبال، وأن يكون أفضلها، مع أن أفضلها كما قال السيوطي: أُحد؛ لقوله عليه السلام: "أُحُد يحبنا ونحبه" وهو بضمتين جبل بالمدينة.

والثالث منها: ما ذكره بقوله: {وَأَنْهَارًا}؛ أي: وجعل فيها أنهارًا ومياهًا جاريةً لمنافع الإنسان والحيوان، فَيسقي الإنسان ما جعل الله فيها من الثمرات المختلفة الألوان والأشكال، ويجعلها لنفسه طعامًا وفاكهةً، ويكون منها مادة حياته في طعامه وشرابه وغذائه. وإنما ضمها (?) إلى الجبال، وعلق بها فعلًا واحدًا من حيث إن الجبال أسباب لتولدها، وذلك أن الحجر جسم صلب، فإذا تصاعدت الأبخرة من قعر الأرض ووصلت إلى الجبل .. احتبست هناك، فلا تزال تتزاحم وتتضاعف حتى تحصل بسبب الجبل مياه عظيمة، ثم إنها لكثرتها وقوتها تنقب الجبل، وتخرج وتسيل على وجه الأرض. ومن الأنهار العظيمة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015