{يُفَصِّلُ}؛ أي: يبين سبحانه وتعالى {الْآيَاتِ}؛ أي: البراهين الدالة على وحدته في ألوهيته وربوبيته، وكمال قدرته، وعجيب حكمته التي منها ما تقدم من رفع السماء بغير عمد، وتسخير الشمس والقمر وجريهما إلى أجل مسمى. وقرأ النخعي وأبو رزين وأبان بن تقلب عن قتادة شذوذًا: {ندبر الأمر نفصل} بالنون فيهما.
وكذا قال أبو عمرو الداني عن الحسن فيهما، ووافق في {نفصل} بالنون الخفاف وعبد الواحد عن أبي عمرو وهبيرة عن حفص شذوذًا. وقال صاحب "اللوامح": جاء عن الحسن والأعمش شذوذًا: {نفصل} بالنون فقط ذكره في "البحر" أبو حيان. والمعنى (?): أي: يلبس الموجودات ثوب الوجود بنظام محكم دقيق، ويوجد بينها ارتباطات تجعلها كأنها سلسلة متصلة الحلقات لا انفصام لبعضها عن بعض، فالمجموعة الشمسية من الشمس والقمر والكواكب مرتبطة في حركاتها بنظام خاص بوساطة الجاذبية لا تحيد عن سننه، ولا تجد معدلًا عن السير فيه بحسب النهج الذي قدر لها، ولا تزال كذلك حتى ينتهي العالم، فيحدث حينئذ تغيير لأوضاعها واختلال لحركاتها {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2)}.
وهكذا الموجودات الأرضية لها أسباب تعقبها مسببات بإذن الواحد الأحد، فالزارع يحرث أرضه ويلقي فيها الحب، ثم يسقيها ويضع فيها السماد، ويوالي سقيها حتى تؤتي أكلها، فإذا فقدت حلقة من تلك السلسلة .. باء صاحب الزرع بالخسران، فلم يحصل على شيء، أو حصل على القليل التافه الذي لا يعدل التعب والنصب الذي فعله. وقيل (?): إن الدلائل الدالة على وجود الصانع قسمان:
الأول: الموجودات المشاهدة، وهي خلق السماوات والأرض وما فيهما