الذين يعتبرون بعقولهم، فيدرون ما فيه مصالح دينهم، وإنما كان هذا القصص عبرة لما اشتمل عليه من الإخبارات المطابقة للواقع من بعد المدة التي بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين الرسل الذين قص حديثهم، ومنهم يوسف وإخوته وأبوه مع كونه لم يطلع على أخبارهم ولا اتصل بأحبارهم.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من الفصاحة وأنواعًا من البلاغة والبيان والبديع:
فمنها: إطلاق الكل وإرادة البعض في قوله: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ} فإنه إنما أعطي ملك مصر فقط، لا ملك الأرض كلها كما مر.
ومنها: في قوله: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ} ما يسمى في علم البيان بالاحتجاج النظري، وبعضهم يسميه المذهب الكلامي؛ وهو أن يلزم الخصم ما هو لازم لهذا الاحتجاج، وتقدم نظير ذلك في آل عمران، وفي هود، وهذا تهكم بقريش وبمن كذبه؛ لأنه لا يخفى على أحد أنه لم يكن من حملة هذا الحديث وأشباهه، ولا لقي فيها أحدًا ولا سمع منه، ولم يكن من علم قومه، فإذا أخبر به وقصه هذا القصص الذي أعجز حملته ورواته .. لم تقع شبهة في أنه ليس منه، بل من وحي الله تعالى إليه، ذكره أبو حيان.
ومنها: حكاية الحال الماضية في قوله: {نُوحِيهِ إِلَيْكَ}؛ لأنه بمعنى الماضي.
ومنها: الجملة الاعتراضية في قوله: {وَلَوْ حَرَصْتَ} لاعتراضها بين {مَا} الحجازية وخبرها، وجيء بهذا الاعتراض؛ لإفادة أن الهداية بيد الله سبحانه وتعالى وحده.
ومنها: حكاية الحال الماضية أيضًا في: {إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ}؛ لأنه بمعنى الماضي.
ومنها: الاستفهام التوبيخي في قوله: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ}.