ودخل عليه الفاء العاطفة {فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} القتل: إزهاق الروح بفعل أحد، من طعن، أو ضرب، أو ذبح، أو خنق، أو ما شابه ذلك، وأمّا إذا كان من غير فعل، فهو موت هلاك {ذلِكُمْ خَيْرٌ} أصله: أخير صيغة تفضيل، ولمّا كثر استعمال هذه اللفظة على لسان العرب، حذفوا همزها تخفيفا، وسكّنوا الياء، ونقلوا حركتها إلى الخاء، وكذلك فعلوا في شر أصله: أشرر بوزن أفعل، خففوه لما كثر استعماله، بنقل حركة الراء الأولى إلى الشين، وإدغامها في الراء الثانية، وحذفوا الهمزة، فقالوا: شرّ وفي «البحر» {خَيْرٌ} هي أفعل التفضيل، حذفت همزتها شذوذا في الكلام، فنقص بناؤها، فانصرفت. وقد نطقوا بالهمزة في الشعر، كما في قوله: بلال خير الناس وابن الأخير. وتأتي خير أيضا لا بمعنى التفضيل، تقول: زيد خير، تريد بذلك فيه خصلة جميلة، ومخفّفا من خير، تقول: رجل خير؛ أي: فيه خير، ويمكن أن يكون من ذلك {فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ}.
{فَتابَ عَلَيْكُمْ} أصله؛ توب بوزن فعل، قلبت الواو ألفا؛ لتحركها بعد فتح {وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ} قلتم بوزن فلتم، وذلك أنّ أصله: قول بوزن فعل، قلبت الواو ألفا؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم لمّا أسند الفعل إلى ضمير الرفع المتحرك؛ سكن آخره لبنائه على السكون، فالتقى ساكنان الألف ولام الفعل، فحذفت الألف عين الفعل، فصار اللفظ هكذا. قلت: فاحتيج للتنبيه على نوع عين الفعل المحذوفة، هل هي واو؟ أو ياء؟ فحذفت حركة فاء الفعل، وعوض عنها حركة مجانسة للعين المحذوفة التي هي الواو، فضم أول الفعل، فقيل: قلت: {حَتَّى نَرَى اللَّهَ} أصله: نرأي بوزن نفعل، تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا، ثم نقلت حركة الهمزة عين الفعل إلى الراء فاء الفعل، ثم حذفت الهمزة؛ تخفيفا، فقيل: نرى، وهذا الحذف لعين هذا الفعل، مطرد في الماضي من الرباعي، والمضارع منه، والأمر، كما تحذف من الثلاثي في المضارع، والأمر، وهذا الحذف الذي ذكرناه، هو إذا كان مدلول رأى الإبصار في يقظة، أو منام، أو الاعتقاد، وأمّا إذا كانت رأى بمعنى أصاب رئته، فلا تحذف الهمزة، بل تقول: رآه يراه؛ أي: أصاب رئته. نقله صاحب كتاب الأمر {جَهْرَةً} الجهرة العلانية، ومنه الجهر ضدّ السر، وفتح عين هذا النحو مسموع