فإن قلت: كيف تصح هذه الكفالة مع أن السارق لا يستحق شيئًا؟
قلت: لَمْ يكونوا سراقًا في الحقيقة، فيحمل ذلك على مثل رد الضائع، فيكون جعالة، ولعل مثل هذه الكفالة كانت جائزة عندهم في ذلك الزمان، فيحمل عليه.
73 - {قَالُوا}؛ أي: إخوة يوسف متعجبين من مقالة الرسل {تَاللَّهِ} قسم فيه معنى التعجب مما أضيف إليهم من السرقة، والتاء بدل من الواو مختصة باسم الله تعالى: {لَقَدْ عَلِمْتُمْ} فيه معنى القسم، فهو تأكيد للقسم قبله؛ أي: والله لقد علمتم وعرفتم يا أصحاب يوسف {مَا جِئْنَا} نحن في هذه البلدة {لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ}؛ أي: لنفعل الفساد في أرض مصر بمضرة الناس ولنسرق فيها، فإنه من أعظم الفساد {وَمَا كُنَّا سَارِقِين}؛ أي: ما كنا نوصف بالسرقة قط. والمعنى: (?) ما أعجب حالكم؛ أنتم تعلمون علمًا جليًّا من ديانتنا وفرط أمانتنا، أننا بريئون مما تنسبون إلينا فكيف تقولون لنا إنكم لسارقون؟ لأنه (?) قد ظهر من أحوالهم وامتناعهم من التصرف في أموال الناس بالكلية لا بالأكل ولا بإرسال الدواب في مزارع النَّاس، ولأنهم لما وجدوا بضاعتهم في رحالهم حملوها من بلادهم إلى مصر، ولم يستحلوا أخذها. وإنما حكموا بعلمهم ذلك (?)؛ لأن العلم بأحوالهم الشاهدة يستلزم العمل بأحوالهم الغائبة. قال المفسرون (?): إن إخوة يوسف حلفوا على أمرين:
أحدهما: أنهم ما جاؤوا لأجل الفساد في الأرض.
والثاني: أنهم ما جاؤوا سارقين، وإنما قالوا هذه المقالة؛ لأنه كان قد ظهر من أحوالهم ما يدل على صدقهم، وهم أنهم كانوا مواظبين على أنواع الخير والطاعة والبر حتى بلغ من أمرهم أنهم شدوا أفواه دوابهم؛ لئلا تؤذي زرع الناس، ومن كانت هذه صفته .. فالفساد في حقه ممتنع. وأما الثاني وهو أنهم ما كانوا سارقين، فلأنهم قد كانوا ردوا البضاعة التي وجدوها في رحالهم، ولم