من فتيان؛ لأن فتية عند العرب لأقل العدد، وأمر القليل بأن يجعلوا البضاعة في الرحال أشبه. قال الزجاج: الفتية والفتيان في هذا الموضع المماليك. وقال الثعلبي: هما لغتان جيدتان مثل الصبيان والصبية.
قلت: وكلتا القراءتين متواترتان ولا انقطاع في إسناد إحداهما. والجملة مستأنفة واقعة في جواب سؤال مقدر كأنه: فما قال يوسف بعد وعدهم له بذلك؟ فأجيب بأنه قال لفتيانه. قال أبو حيان: فالكثرة على مراعاة المأمورين، والقلة على مراعاة المتأولين، فهم الخدمة الكائلون أمرهم بجعل المال الذي اشتروا به الطعام في رحالهم مبالغة في استمالتهم إليه. ثم علل يوسف عليه السلام ما أمر به من جعل البضاعة في رحالهم بقوله: {لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا}؛ أي: البضاعة {إِذَا انْقَلَبُوا} ورجعوا {إِلَى أَهْلِهِمْ}؛ أي: دسوا بضاعتهم ودراهمهم التي اشتروا بها الطعام في أوعيتهم التي يحملون فيها الطعام؛ لكي يعرفوا بضاعتهم إذا رجعوا إلى أبيهم؛ أي: لكي يعرفوا لنا حق إكرامهم بإعادتها إليهم، وجعل ما أعطيناهم من الغلة مجانًا بلا ثمن إذا هم رجعوا إلى أهلهم، وفتحوا متاعهم فوجودها فيه.
فجعل (?) علة جعل البضاعة في الرحال هي معرفتهم لها إذا انقلبوا إلى أهلهم، وذلك لأنهم لا يعلمون برد البضاعة إليهم إلا عند تفريغ الأوعية التي جعلوا فيها الطعام، وهم لا يفرغونها إلا عند الوصول إلى أهلهم. ثم علل معرفتهم للبضاعة المردودة إليهم المجعولة في رحالهم بقوله: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} إلينا طمعًا في برنا، فإن العوز إلى القوت من أقوى الدواعي إلى الرجوع، فإنهم إذا عرفوا ذلك، وعلموا أنهم أخذوا الطعام بلا ثمن وأن ما دفعوه عوضًا عنه قد رجع إليهم، وتفضل به من وصلوا إليه عليهم .. نشطوا إلى العود إليه ولا سيما مع ما هم فيه من الجدب الشديد، والحاجة إلى الطعام، وعدم وجوده لديهم، فإن ذلك من أعظم ما يدعوهم إلى الرجوع، وبهذا يظهر أن يوسف عليه السلام لم يرد البضاعة إليهم إلا لهذا المقصد، وهو رجوعهم إليه، فلا يتم تعليل ردها بغير ذلك، والله أعلم.