الفارقة لكل منهما إلى ما يليق به. ونظيرُ هذا قوله تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ} هذا من قول الملأ: {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} هذا من قول فرعون. ومثله قوله تعالى: {وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} هذا من كلام بلقيس {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} من قوله عَزَّ وَجَلَّ تصديقًا لقولها.
ومعنى الآية على هذا القول {ذَلِكَ}؛ أي: طَلَب (?) البراءة أو ذلك التثبتُ، والتَّشَمُّرُ لظهور البراءة {لِيَعْلَمَ} أي العزيز {أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ} في حرمه؛ لأنَّ المعصية خيانة {بِالْغَيْبِ}؛ أي: بظهر الغيب، وهو حال من الفاعل؛ أي: لم أخنْهُ، وأنا غائِبٌ عنه خفي على عينه، أو من المفعول؛ أي: وهو غائب عني خفي عن عيني، أو ظرف؛ أي: بمكان الغيب؛ أي: وراءَ الأستار والأبواب المغلَقة. {وَأَنَّ اللَّهَ}؛ أي: وليعلم العزيز أنَّ الله سبحانه وتعالى {لَا يَهْدِي} ولا ينفذ، ولا يسدِّد، ولا يتمِّم {كَيْدَ الْخَائِنِينَ} بل يبطله، ويزهقه كما لم يسدد كَيْدَ امرأته، حتى أقرت بخيانة أمانة زوجها، وسُمِّي فعل الخائن كيدًا؛ لأنَّ شأنَه أنْ يُفْعَلَ بطريق الاحتيال، والتلبيس، فمعنى هداية الكيد، إتمامُه وجعله مؤدِّيًا إلى ما قُصِدَ به. وفيه تعريض، بامرأة العزيز في خِيَانَتِها أمانَتَهُ، وبنفس العزيز في خيانة أمانة الله تعالى حين ساعدها على حبسِ يوسف بعدما رأوا آيات نَزَاهَتِه. ويجوز أن يكون ذلك لتأكيد أمانته، وأنه لو كان خائنًا .. لمَا هَدَى الله أمره وأحسن عاقِبَتَهُ. وفيه إشارة إلى أنَّ الله سبحانه وتعالى يُوصِلُ عبادَه الصَّادِقين بعد الغمِّ إلى السرور، ويُخرِجُهم من الظلمات إلى النور. وفي (?) الآية دلالة على أنَّ الخيانة من الصفات الذميمة، كما أنَّ الأمانَةَ من الخصال المحمودة. ثمَّ أراد (?) يُوسُفُ أن يَتَوَاضَعَ لله، ويهضم نفسه لئلا يكون مُزَكِّيِّا لها, ولحالها في الأمانة مُعْجِبًا، وليبيِّنَ أنَّ ما فيه من الأَمانةِ ليس به وحده، وإنما هو بتوفيق الله، ولُطْفِهِ، وعصمته فقال: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي} من الزلل، وما أشهدُ لها بالبراءة بالكلية، ولا أزكِّيها {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي} بالعصمةِ {إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ}.