"التبيان". وقد روي أنه قال: رأيتُ أني أَخْرجُ من مطبخ الملك، وعلى رأسي ثلاثُ سلال فيها خبز، والطير تأكل من أعلاه. {نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ}؛ أي: أخبرنا بتفسير ما رأينا، وما يؤول إليه أمرُ هذه الرؤيا {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}؛ أي: من العالمين بتعبير الرؤيا. والإحسان هنا بمعنى العلم، أو من المحسنين إلى أهل السجن، فيسليهم، ويقول: اصبروا وأبشروا تؤجَروا، فقالوا: بارك الله فيك، يا فتى، ما أحسن وجهك، وما أحسن خلقك، لقد بورك لنا في جوارك، فمَنْ أنت يا فتى؟ فقال: أنا يوسف بن صفيِّ الله يعقوبُ بن ذبيح الله إسحاق بن خليل الله إبراهيم عليهم الصلاة والسلام. فقال له عامل السجنِ: لو استطعت خلَّيْتُ سبيلك، ولكني أُحْسِن جِوارَكَ فكن في أيِّ بيوت السجن شئت.
فلمَّا (?) قصَّا عليه رؤياهما كره يوسف أن يعبِّرها لهما حينَ سألاه، لما علم ما في ذلك من المكروه لأحدهما: وأعرض (?) عن سؤالهما، وأخذ في غيره من إظهار المعجزة، والنبوة والدعاء إلى التوحيد. وقيل: إنه عليه السلام أراد أن يبين لهما أنَّ دَرَجَتهُ في العلم أعلى وأعظم مما اعتقدَا فيه، وذلك أنهما طَلَبَا منه علم التعبير، ولا شكَّ أنَّ هذا العلم مبني على الظن، والتخمين، فأراد أن يعلمهما أنه يمكنه الإخبار عن الغيوب على سبيل القطع واليقين، وذلك مما يعجز الخلق عنه، وإذا قدَرَ على الإخبار عن المغيبات، كان أقْدَرَ على تعبير الرؤيا بطريق الأولى. وقيل: إنما عدل عن تعبير رؤياهما إلى إظهار المعجزة؛ لأنه علم أنَّ أحدهما سيصلب، فأراد أن يُدخِلَهُ في الإِسلام، ويخلِّصه من الكفر، ودخول النار، فأظْهَرَ له المعجزة لهذا السبب.
37 - {قَالَ} يوسف {لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ} في اليقظة في منزلكما على حسب عادتكما، المطَّرِدَةِ {إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا} وأخبرتكما {بِتَأْوِيلِهِ}؛ أي: بقدَرَهِ ولونه، والوقت الذي يصل إليكما فيه، والاستثناء (?) مفرَّغ من أعمِّ الأحوال؛ أي: لا