لهم سجنُه بعد هذه الآيات، قائلين: والله {لَيَسْجُنُنَّهُ}؛ أي: لَيَسْجُنُنَّ يوسُفَ في السجن {حَتَّى حِينٍ}؛ أي: إلى حين انقطاع مقالة الناس في المدينة، وهذا باديَ الرأي عند العزيز، وخواصِّه، وأمَّا عندها فحتى يُذَلِّلَهُ السجنُ، ويُسَخِّره لها؛ ويَحْسب الناس أنه المجرمَ فلبث في السجن خَمْسَ سنين، أو سبع سنين، ولا دَلالَةَ في الآية على تعيين مدة حبسه؛ لأنَّ الحينَ عند أهل اللغة وقْتٌ من الزمان غير محدود، ويقع على القصير منه والطويل؛ أى (?): إن زليخَا لما أيِسَتْ من يُوسُفَ بجميع حِيَلها كي تحملَه على موافقة مرادها، قالت لزوجها: إنَّ هذا العَبْدَ العِبْرانِيَّ فَضَحني في الناس، يقول لهم: إنى راودتُه عن نفسه، فإمَّا أنْ تأذَن لي فأخرج وأعتذرَ إليهم، وإما أن تَسْجُنه فسَجَنَه؛ لأنه كان مِطْواعًا لها. وقرأ الحسن: {لتسجننه} بالتاء على خطاب بعضهم، العزيزَ، ومن يليه، أو العزيز وحده على وجه التعظيم. وقرأ (?) ابن مسعود: {عَتى} بإبدالِ حاءِ حتى عينًا، وهي لغة هذيل، وأقرأ بذلك فكَتَبَ إليه عُمَرُ يَأْمُرُه أن يُقرِىءَ بلغة قريش {حَتَّى} لا بِلُغَةِ هُذَيْلٍ.

والمعنى (?): أي ثُمَّ ظهر للعزيز وامرأتِه، ومَنْ يهمه أمْرَهُمَا كالشاهد الذي شهِدَ عليها من أهلها من الرأي ما لم يكن ظاهرًا لهم من قبلُ. بعد أنْ رأوا من الآيات ما اختبَرُوه بأنفسهم، وشهدوه بأعينهم، ممَّا يدلُّ على أنَّ يوسف لم يكن إنسانًا كالذين عرفوا في أخلاقه، وعفَّتِه، واحتقاره للشهوات، واللذات التي يَتَمتع بها سكانُ القصور.

وفي إيمانه بأنَّ ربه لن يَتْرُكَهُ بل يكلؤه بعين عنايته، ويَحْرُسَه بوافر رعايته، وقد اسْتبَانَ لهم ذلك من وجوه:

1 - إنَّ افتتانَ سيدته في مراودته وجَذْبها خَلَسات نَظَرِه لم تؤثِّر في ميل قلبه إيها، بل ظلَّ معرِضًا عنها، مُتَجَاهِلًا لها حتى إذا ما صَارَحَتْهُ بما تريد، استعاذَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015