قَالَتْ مُنزِّهةَ نفسَها: ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا من الزنا ونحوه، و {ما} نافية؛ أي: ليس جزاؤه {إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}؛ أي: لَيسَ جزاؤُه إلا السجنُ أو العذابُ الأليم مثل الضرب بالسوط، ونحوه. أو استفهامية؛ أي: أي شيء جزاؤه إلا السجن، أو العذاب الأليم كما تقول مَنْ في الدار إلَّا زيد؛ أي: قَالَتْ هذه المقالة طَلَبًا منها للحيلة، وللستر على نفسها، فنَسَبَتْ ما كان منها إلى يُوسُفَ، وفي الإبهام للعذاب زيادة تهويل؛ أي: وحينَئِذٍ خرجَتْ مما هي فيه بمكرها، وكيدها، وقالت لزوجها متنصِّلةً من جرمها، وقاذفةً لِيُوسُفَ: ما جزاءُ من أراد بأهلك شيئًا يسوؤُك صغيرًا كَانَ أو كبيرًا إلا سجن يعاقب به، أو عذابٌ مؤلم موجع يؤدبه، ويلزمه الطاعة. قال الرازي: وفي هذا القول ضروب من الحِيَلَ:
1 - إيهام زوجها أنَّ يوسفَ قدِ اعتدى عليها بما يسوؤها ويسوؤه.
2 - أنَّها لم تصرح بجرمِهِ حتى لا يشتد غضبه، ويَقْسو في عقابه، كأن يبيعه أو يُقْصِيه عن الدار، وذلك غير ما تريد.
3 - أنها هدَّدَتْ يُوسُفَ وأنذرته بما يعلم منه أن أَمْرَهُ بِيَدِها ليخضع لها ويُطِيعَها.
4 - أنها قالت: إلا أن يُسْجَن والمراد منه: أن يُسْجَنَ يومًا أو أقلَّ على سبيل التخويف فحسبُ، أما الحبس الدائِمُ، فكان يقال فيه: يجب أن يُجْعَلَ من المسجونين ألا ترى أنَّ فِرْعَوْنَ حينَ هَدَّدَ موسى قال: {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ}.
وجملة القول في هذا: أنَّ يوسف عليه السلام كَانَ قوي الإرادة لا يمكن غَيْرُه أن يحتال عليه، ويَصْرِفَه عن رأيه، ويجعلَه خاضعًا له، ومن ثم لم تستطع امرأةُ العزيز أن تُحوِّل إرادتَه إلى ما تريد بمراودتها, ولا عَجَب في ذلك فهو في وِراثتِه الفطرية، والمكتسبة، ومقام النبوة عن آبائه الأكرمينَ، وما اختصَّه به ربه من تربيته، والعناية به، وما شهد له به من العرفان، والإحسان, والاصطفاء، وما صَرَفَ عنه من دواعي السوء، والفحشاء في مكان مكين، وحرز حصين من أن تتطلع نفسه إلى اجتراح السيئات، وارتكاب المنكرات، فكل ما صوروه به من