أولَ الرأي، وقرأ باقي السبعة {بادِيَ} بالياء من بَدا يَبْدُو، ومعناه ظاهرَ الرأي، وقيل: {بادي} (بالياء) معناه بادِىءَ بالهمز فسهِّلت الهمزة، بإبدالها ياءٌ لكسر ما قبلها، والعامل فيه نراك، أو اتبعك، أو أراذلنا؛ أي: وما نراك فيما يَظهرُ لنا من الرأي، أو في أول رأينا، أو وما نراك اتبعك أوَّل رأيهم، أو ظاهرَ رأيهم، واحتملَ هذا الوَجْهُ معنيين:
أحدُهما: أنْ يريد: اتبعوك في ظاهرِ أمرهم، وعسى أن تكونَ بواطنهم ليسَتْ معك.
والمعنى الثاني: أن يُريد: اتبعوكَ بأوَّلِ نظر، وبالرأي البادىء دون تثبت، ولو تثبتوا .. لم يتبعوك، وإذا كان العاملُ أراذلنا فمعناه الذين هم أراذِلنا بأدل نظر فيهم، وببادىء الرأي يُعْلَمُ ذلك منهم. ذكره أبو حيان.
28 - ثمَّ ذَكَر سبحانه ما أجاب به نوحٌ عليهم فقال {قَالَ} نوحٌ {يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ}؛ أي؛ أَخْبِرُوني {إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي}؛ أي: على برهان من ربي في النبوة، يدل على صحتها، ويُوجب عليكم قبولَها مع كون ما جعلتموه قادحًا ليس بقادح في الحقيقة، فإنَّ المساواةَ في صفة البشرية لا تمنعُ المفارقةَ في صفة النبوة، واتباعُ الأراذل كما تزعمون ليس ما يمنع من النبوة، فإنهم مثلكم في البشرية، والعقل, والفهم، فاتباعهم لي حجةٌ عليكم لا لكم، ويجوز أنْ يُرِيدَ بالبينة المعجزةَ {وَآتَانِي}؛ أي: أعطاني {رَحْمَةً}؛ أي: نبوَّة {مِنْ عِنْدِهِ}؛ أي: من فضله سبحانه وتعالى وقيَّدَ الرحمة بكونها من عنده تأكيدًا، وفائدتُهُ رَفْعُ الاشتراك، ولو بالاستعارةِ. ذكره أبو حيان. وقيل: الرحمةُ المعجزةُ، والبينةُ النبوةُ {فَعُمِّيَتْ}؛ أي: خَفِيَتْ كُلُّ واحدة من البينة، والرحمة {عَلَيْكُمْ} وصار ذلك البرهانُ مشكوكًا في عقولكم، والإفرادُ في {عميت} على إرادة كلّ واحدة منهما، أو على إرادة البينة, لأنَّها هي التي تَظْهَر لِمَنْ تَفَكَّر، وتَخْفى على مَنْ لم يَتَفَكَّرْ.
وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم (?): {فَعُمِّيَتْ} بضم العين،