والخزرج من الأنصار.
63 - وظاهر قوله (?): {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} العموم، وإنَّ ائتلاف قلوب المؤمنين هو من أسباب النصر التي أيَّد الله بها رسوله. وقال جمهور المفسرين: المراد الأوس والخزرج، فقد كان بينهم عصبية شديدة وحروب عظيمة، فألَّف الله بين قلوبهم بالإيمان برسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقيل: أراد التأليف بين المهاجرين والأنصار. والحمل على العموم أولى؛ فقد كانت العرب قبل البعثة المحمدية يأكل بعضهم بعضًا، ولا يحترم ماله ولا دمه، حتى جاء الإِسلام فصاروا يدًا واحدة، وذهب ما كان بينهم من العصبية. وجملة قوله: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ} - أي: لو بذلت يا محمَّد ما في الأرض من معادنها وزخارفها {جَمِيعًا} لتحصيل التأليف والجمع بينهم {مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ}؛ أي: ما قدرت على تحصيل التأليف والتوفيق بين قلوبهم، جملة مقررة لمضمون ما قبلها.
والمعنى: أنَّ ما كان بينهم من العصبية والعداوة قد بلغ إلى حد لا يمكن دفعه بحال من الأحوال، ولو أنفق الطالب له جميع ما في الأرض .. لم يتم له ما طلبه من التأليف؛ لأنَّ أمرهم في ذلك قد تفاقم جدًّا، أي (?): إنه لولا نعمة الله عليهم بأخوة الإيمان التي هي أقوى من أخوة الأنساب والأوطان .. لما أمكنك أن تؤلِّف بين قلوبهم بالمنافع الدنيوية، فالضغائن الموروثة والدماء المسفوكة في الأنصار لا تزول بالأعراض الزائلة، وإنَّما تزول بصادق الإيمان الذي هو وسيلة السعادة في الدنيا والآخرة، كما أن التآلف بين أغنياء المهاجرين وفقرائهم وأشرافهم وعامتهم على ما كان بينهم من فوارق في الجاهلية وجمع كلمة البيوت والعشائر مع رسوخ العدوات والإحن .. لم يكن مما ينال بالمال والآمال في المغانم ونحوها، على أن شيئًا من ذلك لم يكن في يد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أول الإِسلام، وإن كان قد صار في يده شيء كثير منه في المدينة بنصر الله له في قتال المشركين واليهود جميعًا.