الوافي التام {وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ}؛ أي: والحال أنه لا يحلقكم ظلم ولا اضطهاد من أعدائكم، فإن القوي المستعد لمقاومة المعتدي قلما يعتدي عليه أحد، وإن اعتدى عليه .. فقلَّ أن يظفر به.
وفي هذا إيماءٌ إلى أنَّ إعداد المستطاع من القوة الحربية والمرابطة في سبيل الله لا يمكن تحقيقهما إلا بإنفاق الكثير من المال، ومن ثم رغب سبحانه عباده المؤمنين في الإنفاق في سبيله، ووعدهم بأن كل ما ينفقون فيها يوفَّى إليهم، إمّا في الدنيا والآخرة، أو في الآخرة فحسب.
61 - ولمَّا كان السلم هو المقصد الأول لا الحرب .. أكده بقوله: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ}؛ أي: وإن مال العدو عن جانب الحرب إلى جانب السلم والصلح ولم يعتز بقوته .. {فَاجْنَحْ لَهَا}؛ أي: فمل إليها واقبلها منهم؛ لأنَّك أولى بالسلم منهم. وقرأ (?) أبو بكر عن عاصم والأعمش والمفضل وابن محيصن: {لِلسَّلْمِ} - بكسر السين - وقرأ الباقون بفتحها. وقرأ الأشهب العقيليّ: {فَاجْنَحْ} - بضم النون - وقرأ الباقون بفتحها، والأولى لغة قيس، والثانية لغة تميم. قال ابن جني: ولغة قيس هي القياس، والسلم تؤنث كما تؤنث الحرب، أو هي مؤولَّة بالخصلة أو الفعلة.
أي: وإن (?) مال الكفار للصلح بوقوع الرهبة في قلوبهم بمشاهدة ما بكم من الاستعداد .. فاقبله منهم {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}؛ أي: وفوض الأمر فيما عقدته معهم إلى الله؛ ليكون عونًا لك على السلامة، ولكي ينصرك عليهم إذا نقضوا العهد، ولا تخف غدرهم ومكرهم {إِنَّهُ} سبحانه وتعالى {هُوَ السَّمِيعُ} لما يقولون في خلواتهم من مقالات الخداع {الْعَلِيمُ} بما يفعلون وبنياتهم، فلا يخفى عليه ما يأتمرون به من الكيد والخداع - وإن خفي عليك - فيؤاخذهم بما يستحقونه، ويرد كيدهم في نحرهم. وقد اختلف أهل العلم: هل هذه الآية منسوخة أو محكمة؟.