الأمة لا بدَّ لها من المال؛ لتستعين به على القيام بالمصالح العامة، كشعائر الدين، والدفاع عن الأمة، وهو ما جعل لله في هذه الآية، ثم نفقة رئيس حكومتها، وهو سهم الرسول فيها، ثم ما كان لأقوى عصبته وأخلصهم له وأظهرهم تمثيلًا لشرفه وكرامته، وهو سهم ذوي القربى، ثم ما يكون لذوي الحاجات من ضعفاء الأمة، وهم الباقون.
ولا يزال هذا الاعتبار مراعى معمولًا به في كثير من الدول مع اختلاف شؤون الاجتماع والمصالح العامة، فالمال الذي يرصد للمصالح العامة يدخل في موازين الوزارات المختلفة، ما بين جهرية وسرية، ولا سيما الأمور الحربية، وكذلك راتب بمثل الدولة من ملك، أو رئيس جمهورية، منه ما هو خاصٌّ بشخصه، ومنه لأسرته وعياله، ومن موازين الدولة: ما يبذل لإعانة الجماعات الخيرية والعلمية ونحوهما.
وكذلك اليتامى، والمساكين، وابن السبيل، لا تجعل لهم الدول في هذا العصر حقًّا في أموال الدولة، وإن كان بعض الدول يعطيهم أموالًا من الأوقاف الخيرية التي تتولى أمر استغلالها وإنفاق ريعها على المستحقين له، وبعضها يخصص إعانات للعمال المتعطلين في وقت الحاجة فحسب.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} مفتاح كلام؛ أي: إنه ذكر على سبيل التبرك، وانما أضافه سبحانه إلى نفسه؛ لأنه هو الحاكم فيه، فيقسمه كيف شاء، وليس المراد منه أنَّ لله سهمًا مفردًا؛ لأن ما في السموات والأرض .. فهو لله، وبهذا قال الحسن، وقتادة، وعطاء، وإبراهيم النخعي، فقالوا: سهم الله وسهم رسوله واحدٌ، وذكر الله للتعظيم، وهذا هو القول الذي عليه الجمهور، وهو الراجح كما مرَّ، وكأنَّ التركيب حينئذٍ: واعلموا أنَّ ما غنمتم من شيء فأن لله وللرسول خمسًا واحدًا من أخماس خمسه، ولذي القربى خمسًا واحدًا منها ولليتامى خمسًا واحدًا منها وللمساكين خمسًا واحدًا منها، ولابن السبيل خمسًا واحدًا منها.