وضروب الإيذاء لأجل تركه كما فعلوا ذلك حين كانت لهم القوة والبطش في مكة، إذ أخرجوكم منها لأجل دينكم ثم أتوا لقتالكم في دار الهجرة {وَ} حتى {يَكُونَ الدِّينُ}؛ أي: العبادة {كُلُّهُ لِلَّهِ}: فلا يستطيع أحد أن يفتن أحدا عن دينه ويكرهه على ترك إلى دين المكره تقية وخوفا منه.

وخلاصة ذلك (?): قاتلوهم حتى يكون الناس أحرارا في عقائدهم، لا يكره أحد أحدا على ترك عقيدته إكراها، ولا يؤذي ويعذب لأجلها كما قال تعالى: {لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} والمسلمون إنما يقاتلون لحرية دينهم، ولا يكرهون عليه أحدا من دونهم.

وروي عن ابن عباس تفسير الفتنة بالشرك، والمعنى عليه: قاتلوهم حتى لا يبقى شرك في مكة وغيرها، وتزول الأديان الباطلة فلا يبقى إلا الإسلام.

وتقدم نظير هذه الآية في سورة البقرة؛ وهنا زيادة {كُلُّهُ} توكيدا للدين، وقرأ الأعمش ويكون برفع النون، والجمهور بنصبها.

{فَإِنِ انْتَهَوْا} عن الكفر، وعن قتالكم، وعن سائر المعاصي بالتوبة والإيمان {فَإِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}؛ أي: عليم لأنه تعالى لا يخفى عليه شيء من أعمال العباد ونياتهم، فيجازيهم على أعمالهم الحسنة من الإيمان وغيره ويثيبهم عليها بحسب علمه.

وقرأ الحسن ويعقوب من العشرة وسلام بن سليمان (?): {بما تعملون} بالتاء على الخطاب، لمن أمروا بالمقاتلة على معنى: فإن الله بما تعملون من الجهاد والدعوة إلى الإسلام، والإخراج من ظلمة الكفر إلى نور الايمان بصير يجازيكم، فيكون (?) تعليقه بانتهائهم دلالة على أنه كما يستدعي إثابتهم للمباشرة، يستدعي إثابة مقاتليهم للتسبب، وبالباء التحتية على الغيبة باتفاق السبعة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015