المنكرات، كما كانوا يفعلونه عند البيت من المكاء والتصدية، ومن كانت هذه حاله لا يكون وليا للمسجد الحرام، بل هم أهل لأن يقتلوا بالسيف، ويحاربوا {وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} أنه لا ولاية لهم عليه؛ أي: لا يعلمون أنهم ليسوا أولياء الله، ولا أن أولياءه ليسوا إلا المتقين، فهم الآمنون من عذابه بمقتضى عدله في خلقه، والجديرون بولاية بيته.
وقد نسب هذا الجهل إلى الأكثر، إذ كان فيهم من لا يجهل حالهم في جاهليتهم، وضلالهم في شركهم، وكون الله لا يرضى عنهم كما كان فيهم من يكتم إيمانه خوفا من الفتنة، ومنهم المستعدون له بسلامة الفطرة، وقد جرت سنة القرآن أن يدقق في الحكم، ولا يقول إلا الحق، ولا يقول كما يقول الناس: إنّ القليل لا حكم له.
35 - ثم بين سبحانه سوء حالهم في أفضل ما بني البيت لأجله، وهي الصلاة، فقد كانوا يطوفون عراة فقال: {وَما كانَ صَلاتُهُمْ}؛ أي: عبادتهم {عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً}؛ أي: صفيرا فكان الواحد منهم يشبك أصابع إحدى كفيه بأصابع الأخرى، ويضمها، وينفخ فيهما فيظهر من ذلك صوت {وَتَصْدِيَةً}؛ أي: تصفيقا أي ضربا لإحدى الكفين على الأخرى أي: ما كان شيء مما يعدونه عبادة وصلاة إلا هذين الفعلين، وهما المكاء والتصدية؛ أي إذا كان لهم صلاة، فلم تكن إلا هذين، قال ابن عباس: كانت قريش يطوفون بالبيت عراة، مشتبكين بين أصابعهم، يصفرون ويصفقون بإحدى اليدين على الأخرى، وروي عن سعيد بن جبير، قال: كانت قريش يعارضون النبي صلى الله عليه وسلّم في الطواف يستهزؤون ويصفرون، يفعلون ذلك إذا قرأ الرسول صلى الله عليه وسلّم يخلطون عليه في صلاته، فنزلت {وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً}.
وبالجملة (?): فقد كانت صلاتهم وطوافهم من قبيل اللهو واللعب، سواء عارضوا الرسول صلى الله عليه وسلّم في طوافه وخشوع صلاته وحسن تلاوته، أم لا؟ {فَذُوقُوا