وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك» أخرجه أبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن غريب.
{وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}؛ أي: والحال أنكم تعلمون مفاسد الخيانة، وتحريم الله إياها وسوء عاقبتها في الدنيا والآخرة، وقد يكون المعنى: وأنتم تعلمون أنّ ما فعلتموه خيانة لظهوره، فإن خفي عليكم حكمه، فالجهل له عذر إذا لم يكن مما علم من الدين ضرورة، أو مما يعلم ببداهة العقل، أو باستفتاء القلب، كفعلة أبي لبابة التي كان سببها الحرص على المال والولد، ومن ثم فطن لها قبل أن يبرح مكانه،
28 - {وَاعْلَمُوا}؛ أيها المؤمنون {أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} عظيمة مانعة لكم عن أمور الآخرة؛ أي: محنة يظهر بها ما في النفس من اتباع الهوى، أو تجنبه، ولذلك مال أبو لبابة إلى قريظة في إطلاعهم على حكم سعد، لأنّ ماله وولده كان فيهم؛ أي: (?) إن فتنة الأموال والأولاد عظيمة لا تخفى على ذوي الألباب، إذ أموال الإنسان عليها مدار معيشته، وتحصيل رغائبه، وشهواته، ودفع كثير من المكاره عنه من أجل ذلك يتكلف في كسبها المشاق، ويركب الصعاب ويكلفه الشرع فيها التزام الحلال واجتناب الحرام، ويرغبه في القصد والاعتدال ويتكلف العناء في حفظها، وتتنازعه الأهواء في انفاقها، ويفرض عليه الشارع فيها حقوقا معينة، وغير معينة كالزكاة، ونفقات الأولاد، والأزواج وغيرها وأما الأولاد فحبهم مما أودع في الفطرة، فهم ثمرات الأفئدة وأفلاذ الأكباد لدى الآباء والأمهات، ومن ثم يحملهما ذلك على بذل كل ما يستطاع بذله في سبيلهم من مال، وصحة، وراحة، وقد روي عن أبي سعيد الخدري مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلّم: «الولد ثمرة القلب، وإنه مجبنة مبخلة محزنة».
فحب الولد قد يحمل الوالدين على اقتراف الذنوب والآثام في سبيل تربيتهم، والإنفاق عليهم، وتأثيل الثروة لهم، وكل ذلك قد يؤدي إلى الجبن عند الحاجة إلى الدفاع عن الحق، أو الأمة، أو الدين، وإلى البخل بالزكاة،