وهو يصلي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «يا أبي» فالتفت أبي ولم يجبه، وصلى أبي، وخفف ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: السلام عليك يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «وعليك السلام، ما منعك يا أبيّ أن تجيبني إذ دعوتك»، فقال:
يا رسول الله، إنّي كنت في الصلاة فقال صلى الله عليه وسلّم: «أفلم تجد فيما أوحي إليّ {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ}» قال: بلى، ولا أعود إن شاء الله تعالى، وذكر الحديث. وقال: حديث حسن صحيح.
قيل (?): هذه الإجابة مختصة بالنبي صلى الله عليه وسلّم، فعلى هذا ليس لأحد أن يقطع صلاته لدعاء أحد آخر، وقيل: لو دعاه أحد لأمر مهم لا يحتمل التأخير .. فله أن يقطع صلاته.
{لِما يُحْيِيكُمْ}؛ أي: لما فيه حياتكم من علوم الديانات والشرائع، لأن العلم حياة، كما أن الجهل موت، قال الشاعر:
لا تعجبنّ الجهول حلّته ... فذاك ميت وثوبه كفن
قال (?) السدي: هو الإيمان لأن الكافر ميت فيحيا بالإيمان، وقال قتادة: هو القرآن لأنه حياة القلوب، وفيه النجاة والعصمة في الدارين، وقال مجاهد: هو الحق، وقال محمد بن إسحاق: هو الجهاد لأن الله أعزه به بعد الذل، وقيل: هو الشهادة لأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون.
والمعنى (?): أن الرسول صلى الله عليه وسلّم إذا دعاكم بأمر ربكم لما فيه حياتكم الروحية من علم بسننه في خلقه، ومن حكمة وفضيلة، ترفع نفس الإنسان وترقى بها إلى مراتب الكمال، حتى تحظى بالقرب من ربها، وتنال رضوانه في الدار الآخرة ... فأجيبوا دعوته بقوة وعزم كما قال في آية أخرى: {خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ} وطاعته صلى الله عليه وسلّم واجبة في حياته، وبعد مماته، فيما علم أنه دعا إليه دعوة عامة من أمور الدين الذي بعثه الله به، كبيانه لصفة الصلاة، وعددها، قولا أو فعلا