والانغماس في اللذات. قال الحسن البصري: وما كان استمتاع بعضهم ببعض إلا أن الجن أمرت وعملت الإنس انتهى.
قال الكلبي (?): فأما استمتاع الإنس بالجن: كان الرجل في الجاهلية إذا سافر، فنزل بأرض قفراء، وخاف على نفسه من الجن .. قال: أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه، فيبيت في جوارهم، وأما استمتاع الجن بالإنس: فهو أنهم قالوا: سدنا الإنس مع الجن حتى عاذوا بنا، فيزدادون بذلك شرفا في قومهم وعظما في أنفسهم. وقيل: استمتاع الإنس بالجن هو ما كانوا يلقون إليهم من الأراجيف والسحر والكهانة، وتزيينهم الأمور التي كانوا يهوونها وتسهيل سبلها عليهم، واستمتاع الجن بالإنس طاعة الإنس للجن فيما يزينون لهم من الضلالة والمعاصي، وقيل غير ذلك. وقيل: إن قوله: {رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ} هو من كلام الإنس خاصة؛ لأن استمتاع الجن بالإنس، وبالعكس أمر نادر لا يكاد يظهر، أما استمتاع الإنس بعضهم ببعض فهو ظاهر، فوجب الكلام عليهم.
{وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا}؛ أي: أدركنا ووصلنا بعد استمتاع بعضنا ببعض إلى الأجل الذي حددته لنا، وهو يوم البعث والجزاء، وقد اعترفنا بذنوبنا، فاحكم فينا بما تشاء وأنت الحكم العدل، وقرىء: {آجالنا} - على الجمع الذي على التذكير والإفراد - قال أبو علي: هو جنس أوقع (الذي) موقع (التي)، انتهى. ذكره أبو حيان في «البحر». ومقصدهم (?) من هذا الإخبار إظهار الحسرة والندامة على ما كان منهم من التفريط في الدنيا وتفويض الأمر إلى ربهم العليم بحالهم، ولم يذكر هنا قول المتبوعين من الجن، وحكاه في آي أخرى، فقال - سبحانه - في الفريقين: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} وكما ذكر في سورة البقرة كيف يتبرأ بعضهم من بعض، وحكى في إبراهيم