وآدابه ومعاملاته للناس كمن مثله المبين لحاله مثل السائر في ظلمات بعضها فوق بعض ظلمة الليل، وظلمة السحاب، وظلمة المطر؛ وهو ليس بخارج منها؛ لأنه يبقى متحيرا لا يهتدي إلى وجه صلاحه، فيستولي عليه الخوف والفزع والعجز والحيرة الدائمة، وكذلك الخابط في ظلمات الجهل والتقليد، وفساد الفطرة ليس بخارج منها؛ لأنها قد أحاطت به وألفتها نفسه، فلم يعد يشعر بالحاجة إلى الخروج منها إلى النور، بل ربما شعر بالألم من هذا النور المعنوي كما يألم الخفاش بالنظر إلى النور الحسي، وإنما فسرنا الحياة في الآية بالهداية؛ لأنه كثيرا ما تستعار الحياة للهداية وللعلم، ومنه قول القائل:
وفي الجهل قبل الموت موت لأهله ... فأجسامهم قبل القبور قبور
وإنّ امرءا لم يحي بالعلم ميّت ... فليس له حتّى النّشور نشور
والخلاصة (?): أنه ينبغي للمسلم أن يكون حيا عالما على بصيرة في دينه وأعماله وحسن سيرته، وأن يكون القدوة والأسوة للناس في الفضائل والخيرات، والحجة على فضل دينه على سائر الأديان، وإنما قال: {فِي النَّاسِ} إشارة إلى تنويره على نفسه وعلى غيره من الناس، فذكر أن منفعة المؤمن ليست قاصرة على نفسه، وهذا (?) مثل ضربه الله تعالى لحال المؤمن والكافر، فبين أن المؤمن المهتدي بمنزلة من كان ميتا فأحياه وأعطاه نورا يهتدي به في مصالحه، وأن الكافر بمنزلة من هو في الظلمات منغمس فيها ليس بخارج منها، فيكون متحيرا على الدوام. ووجه (?) المناسبة في ضرب المثلين هنا ما تقدم في أول السورة {وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ}. {كَذلِكَ}؛ أي: كما زين للمؤمنين إيمانهم {زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ} والمشركين {ما كانُوا يَعْمَلُونَ} من الشرك والمعاصي وعبادة الأصنام؛ أي (?): حسّنّا لهم ما كانوا فيه من الجهالة والضلالة قدرا من الله وحكمة بالغة، لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ أي: مثل هذا التزيين الذي تضمنه المثل السابق، وهو تزيين نور الهدى والدين لمن أحياه الله حياة عالية، وتزيين ظلمات