الحد؛ أي: إنا ندعهم يتجاوزون الحد في الكفر والعصيان، ويترددون متحيرين فيما سمعوا ورأوا من الآيات محدثين أنفسهم: أهذا هو الحق المبين، أم السحر الذي يخدع عيون الناظرين؟ وهل الأرجح اتباع الحق بعد ما تبين، أو المكابرة والجدل كبرًا وأنفة من الخضوع لمن يرونه دونهم؟ وإنما أسنده الخالق إلى نفسه لبيان سننه الحكيمة في ربط المسببات بأسبابها، فرسوخهم في الطغيان الذي هو غاية الكفر والعصيان، هو سبب تقليب القلوب والأبصار؛ أي: الختم عليها، فلا تفقه ولا تبصر.
والوجه الثاني من الوجهين: أن جملة قوله: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ} مستأنفة لا تعلق لها بما قبلها. قال الصاوي: قوله: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ} استئناف مسوق لبيان أن خالق الهدى والضلال هو الله سبحانه وتعالى لا غيره، فمن أراد له الهدى حوّل قلبه له، ومن أراد شقاوته حول قلبه لها انتهى. وفي الآية (?) دليل على أن الله تعالى يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وأن القلوب والأبصار بيده وفي تصريفه، فيقيم ما شاء منها ويزيغ ما أراد منها، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك". فمعنى قوله: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ} نزيغها عن الإيمان, ونقلب أبصارهم عن رؤية الحق ومعرفة الصواب، وإن جاءتهم الآية التي سألوها فلا يؤمنون بها، كما لم يؤمنوا بالله ورسوله وبما جاء من عند الله، فعلى هذا يكون الضمير في: {بِهِ} عائدًا على الإيمان بالقرآن، وبما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل سؤالهم الآيات التي اقترحوها. قوله: {وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}؛ أي: ونترك هؤلاء المشركين الذين سبق في علم الله أنهم لا يؤمنون في تمردهم على الله واعتدائهم عليه يترددون لا يهتدون إلى الحق.
وقرأ (?) النخعي: {ويقلب} و {يذرهم} بالياء فيهما، والفاعل ضمير الله. وقرأ أيضًا فيما روي عنه مغير الصيغة: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ} بالرفع فيهما على البناء للمفعول، {ويذرهم} بالياء وسكون الراء، وافقه على {ويذرهم}