بالكون على الأرض قول الله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}.
{قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ}؛ أي: قد بينا العلامات الدالة على قدرتنا من تفاصيل خلق البشر {لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ}؛ أي: يدققون النظر ويتأملون فيها، فإن إنشاء البشر من نفس واحدة وتصريفهم بين أحوال مختلفة ألطف صنعة، وإن الاستدلال بالأنفس أدق من الاستدلال بالنجوم في الآفاق لظهورها. وعبارة "المراغي" هنا: قوله: {قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ}؛ أي (?): إننا جعلنا الآيات المبينة لسنننا في الخلق مفصلة وموضحة لقدرتنا وإرادتنا، وعلمنا وحكمتنا، وفضلنا ورحمتنا لقوم يفقهون ما يتلى عليهم، ويفهمون المراد منه، ويفطنون لدقائقه وخفاياه.
وعبر هنا بالفقه، وفيما قبلها بالعلم؛ لأن استخراج الحكم من خلق البشر يتوقف على غوص في أعماق الآيات، وفطنة في استخراج دقائق الحكم. أما العلم بمواقع النجوم والاهتداء بها في ظلمات البر والبحر، فهو من الأمور الظاهرة التي لا تتوقف على دقة النظر، ولا غوص الفكر والتأمل في العبرة منها، وكذلك جميع المظاهر الفلكية. ثم ذكر بعد ذلك آية أخرى من آيات التكوين، وهي إنزال الماء من السماء، وجعله سببًا للنبات، فقال:
99 - {وَهُوَ} سبحانه وتعالى الإله {الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ}؛ أي: من السحاب {مَاءً}؛ أي: مطرًا؛ أي: وهو الله الذي خلق هذه الأجسام في السماء، ثم ينزلها إلى السحاب، ثم من السحاب إلى الأرض {فَأَخْرَجْنَا بِهِ}؛ أي: بسبب هذا الماء {نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ}؛ أي: نبات كل صنف من أصناف النبات المختلف في شكله وخواصه وآثاره اختلافًا متفاوتًا في مراتب الزيادة والنقصان، سواء كان من النجم، أو من الشجر، كما قال تعالى: {يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ}.
{فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ}؛ أي: من النبات {خَضِرًا}؛ أي: زرعًا، والمراد من هذا الخضر العود الأخضر الذي يخرج أولًا في القمح والشعير والذرة والأرز، ويكون السنبل في أعلاه؛ أي: فأخرجنا من النبات الذي لا ساق له شيئًا غضًّا أخضر،