وقيل: سميت كعبة لارتفاعها وبروزها، وكل بارز كعبٌ مستديرًا كان أو غير مستدير، ومنه: كَعْب القدم، وكعوب القنا، وكعب ثدي المرأة، وسمي بيتًا؛ لأن له سقوفًا وجدارًا، وهي حقيقة البيت وإن لم يكن به ساكن، وسمي حرامًا؛ لتحريم الله تعالى إياه وتعظيمه وتشريفه بأداء المناسك فيه، وبعدم تنفير صيده، وعدم قطع شجره وخلاه. والمراد بالبيت الحرام: جميع الحرم؛ لما صح من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب يوم فتح مكة فقال: "إن هذا البلد حرَّمه الله تعالى يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها، ولا يختلى خلاه" متفق عليه.
و {البيت الحرام} بدل من {الكعبة} أو عطف بيان منه؛ أي: أن الله سبحانه وتعالى جعل هذه الكعبة التي هي بيت الله الحرام {قِيَامًا لِلنَّاسِ}؛ أي: أمنًا وسببًا لحصول مصالح الناس ومنافعهم في أمر دينهم ودنياهم وآخرتهم. أمَّا في أمر الدين: فإنه بها يقوم الحج وتتم المناسك، وضوعفت الحسنات فيها، وأما في أمر الدنيا: فإن مكة بلدة لا ضرع فيها، ولا زرع، وقلما يوجد فيها ما يحتاج إليه أهلها، فجعل الله الكعبة معظمة في قلوب الناس يرغب الناس جميعًا في زيارتها والسفر إليها من كل فج عميقٍ لأداء المناسك، وللتجارة، فصار ذلك سببًا في إسباغ النعم على أهل مكة إجابةً لدعوة إبراهيم عليه السلام، وكان العرب يتقاتلون ويغيرون إلا في الحرم حتى لو لقي الرجل قاتل أبيه أو ابنه في الحرم .. لم يتعرض له، ولو جنى أعظم الجنايات كما قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} فصار أهل مكة آمنين على أنفسهم وأموالهم، كما أنهم صاروا بسبب الكعبة أهل الله وخاصته، والسادة المعظمين إلى يوم القيامة. وأما في أمر آخرتهم: فإن البيت جُعل لقيام المناسك عنده، وجعلت تلك المناسك التي تقام عنده أسبابًا لعلو الدرجات، وتكفير الخطيئات، وزيادة الكرامات والمثوبات، فلما كانت الكعبة الشريفة سببًا لحصول هذه الأشياء .. كانت سببًا لقيام الناس.