الجهل والغرور يصبح عقيدة في نفوسهم بما يسمعونه من كلام فساق الشعراء المدمنين كأبي نواس في قوله:
تَكَثَّرْ مَا اسْتَطَعْتَ مِنَ المَعَاصِي ... فَإِنَّكَ وَاجِدٌ رَبًّا غَفُوْرًا
وقوله:
وَرَجَوْتُ عَفْوَ اللهِ مُعْتَمِدًا علَى ... خَيْرِ الأَنَامِ مُحَمَّدِ المَبْعُوْثِ
ولو صح أمثال هذا الهذيان .. لكان الدين لغوًا وعبثًا، ولكان المسلم يضرب بأوامر دينه عرض الحائط انتظارًا لشفاعة ترجى، أو عفو ربما أتيح له من فضل ربه، وكان التقي والفاجر سواء. وقد ثبت في صحيح الأحاديث: أنه كان يؤتى بالشارب في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيضرب بالأيدي والجريد وبالثيات والنعال. وفي حديث أنس: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى برجل قد شرب الخمر، فجلده بجريدتين نحو أربعين) قال: وفعله أبو بكر، فلما كان عمر .. استشار الناس، فقال عبد الرحمن بن عوف: أخف الحدود ثمانون، فأمر به عمر.
وفي "الصحيحين" عن علي - رضي الله عنه -: ما كنت لأقيم على أحد حدًّا فيموت وأجد في نفس شيئًا إلا صاحب الخمر، فإنه لو مات وَدَيته - أي: دفعت ديته - وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يسنّه. وفي "صحيح مسلم": أن عثمان أتى بالوليد، وقد صلى الصبح ركعتين، وقال: أزيدكم، وشهد عليه الشهود أنه شرب الخمر، فأمر بجلده، وعلي - رضي الله عنه - يعد حتى بلغ الأربعين، فقال: أمسك، ثم قال: جلد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكلٌّ سنة، وهذا أحب إلي - يريد الأربعين -. وقوله: وكلٌّ سنة؛ أي: أنه جرى العمل به فعلًا، ولا يعارض ذلك قوله: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسن حد الخمر؛ لأن ضربه أربعين مرة واحدة لا يعد سنة محدودة له؛ لأنه قد خالف ذلك في بعض الأحيان، لكنه صار سنة بجري أبي بكر عليه.
والخلاصة: أن العقاب المشروع على شرب الخمر هو الضرب الذي يراد منه إهانة الشارب وزجره وتنفير الناس منه، وأن الضرب أربعين أو ثمانين كان اجتهادًا من الخلفاء، فاختار أبو بكر الأربعين، وعمر الثمانين بموافقته لاجتهاد