قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ. . .} الآية، قال أبو حيان: مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنه لما أمر الله تعالى بأكل ما رزقهم حلالًا طيبًا، ونهاهم عن تحريم ما أحله لهم مما لا إثم فيه، وكان المستطاب المستلذ عندهم الخمر والميسر، وكانوا يقولون: الخمر تطرد الهموم، وتنشط النفس، وتشجع الجبان، وتبعث على المكارم، والميسر يحصل به تنمية المال، ولذة الغلبة .. بيّن تعالى تحريم الخمر والميسر؛ لأن هذه اللذة يقارنها مفاسد عظيمة، ففي الخمر إذهاب العقل، وإتلاف المال، ولذلك ذمَّ بعض حكماء الجاهلية إتلاف المال بها، وجعل ترك ذلك مدحًا فقال:
أَخِيْ ثِقَةٍ لاَ تُتْلِفُ الخَمْرُ مَالَهُ ... وَلَكِنَّهُ قَدْ يُهْلِكِ الْمَالَ نَائِلُهْ
وتنشأ عنها مفاسد أُخر من قتل النفس، وشدة البغضاء، وارتكاب المعاصي، والميسر فيه أخذ المال بالباطل، انتهى.
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ ...} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما نهى عن تحريم ما أحل من الطيبات، ثم استثنى الخمر والميسر .. استثنى هنا مما يحل الصيد في حال الإحرام، وأوجب جزاء على من قتله، وبيَّن أن صيد البحر وطعامه حلال، وقد نزلت هذه الآية عام الحديبية حين ابتلاهم الله تعالى بالصيد وهم محرمون، وكثر عندهم حتى كان يغشاهم في رحالهم، فيتمكنون من صيده أخذًا بأيديهم وطعنًا برماحهم.
وقال أبو حيان: مناسبة هذه الآية لما قبلها هي: أنه تعالى لما أمرهم أن لا يحرموا الطيبات، وأخرج من ذلك الخمر والميسر، وهما حرامان دائمًا .. أخرج بعده من الطيبات ما حرم في حال دون حال، وهو: الصيد، وكان الصيد مما تعيش به العرب وتتلذذ باقتناصه، ولهم فيه الأشعار والأوصاف الحسنة، انتهى.
قوله تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ ...} الآية، مناسبة (?)